إضاءاتالعناوين الرئيسية

عبادة القمم .. مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط …

.

عبادة القمم هي عادة مشرقية وتكاد تكون عربية حصراً، وهي في جوهرها نوع من الأنانية المستترة، نوع من تفضيل الذات والخيارات الشخصية على ما عداها خيارات الغير. يزداد خطر هذه الظاهرة عندما لا تقتصر على الجمهور فقط بل يعتمدها فنانون يفرضونها على أنها مُنَزَّلة تنزيلاً.

كبداية، أعني بمصطلح “قمّة”: شخصية فنية استطاعت بمقدرتها وخبرتها أن تقدّم أعمالاً فنيّة متميزة حازت على إعجاب فئات عريضة من الجمهور، أو حققت إنجازاتٍ فنيّةً تم اعتبارها على أنها “قياسيّة” على نحو ما. وفي شرقنا العزيز الجميل، تكاد تنحصر هذه الظاهرة بنوع واحد من الفنون وهو الموسيقا، لسبب بسيط جداً وهو أن بقية الفنون عندنا ما زالت حصريّة على نخبة ما، ولم تنتشر جماهيرياً. فعلى سبيل المثال لا نرى هذه الظاهرة موجودة في الفن التشكيلي.

لا تتحقق هذه الظاهرة بدون توجيه ممن يمكن تسميتهم “مختصّين”، ولهؤلاء “المختصّين” درجات متفاوتة من الوعي الجمالي، والتقدير العادل الناتج عن الفهم الصحيح لماهية أي عمل فني، وتتمتع بإقصائية بالغة لما عدا ذوقها الخاص، فتحاول سبغ هذا الذوق على الجمهور غير المختص وإقصاء المخالف إلى درجة تشبه التكفير.

قلت أن هذه الظاهرة مشرقية، فلو نظرنا إلى مجتمعات أخرى نرى أنها لا تحيط القمم الفنية عندها بهالة “التقديس” وتترك ردود أفعال الجمهور للذوق الشخصي لأنه أمر نسبي جداً، فالعمل الذي يُبهر أحدهم قد يكون عادياً بالنسبة للآخر. وتنحصر الأحكام على ما يثيره العمل الفني من عاطفة عند المتذوق فتكون (أحب) أو (لا أحب) وليست أبداً من نوع (جميل) أو (بشع) لأن هذه الأحكام تتضمن إساءة بالغة لذوق الغير. لن تجد عند الغربين مثلاً اعتقاداً يقول: (بيتهوفن هو أساس الموسيقا ولا أحد يُلحن من بعده) فهذا الحكم “المتوحش” عن ذوق “الآخر” هو ميزة غير متوفرة هناك.

في مجتمعنا الجميل، تعتمد الأحكام الجمالية على فنان ما أو على أعماله أسلوب الأحكام السياسية أو الدينية، فنرى “أحزاباً” وتحزبات تُقدِّس فناناً ما، وتضعه في منزلة تُحرِّمُ أيّ موقف حيادي من فنِّه تحت طائلة الحرمان من الجنسية الفقهية الفنيّة واتهام خطير بانعدام المعرفة الصحيحة لما هو فن “أصيل” … إلى آخر تلك الأحكام الشعبية التي لا تعتمد أي مفهوم صحيح أو محدد لماهية الجمال والفن والعمل الفني، وبلا أدنى تقدير لما يسمى ذوقاً شخصياً، أو أي اعتبار لوجود “الآخر” في بحر الفنون مترامي الشطآن.

للحكم على أغنية بسيطة لا تتجاوز دقائق قليلة، تقوم International Songwriting Competition باختيار لجنة مؤلفة من 43 فناناً موسيقياً ينتمون إلى فئات عمريّة مختلفة و31 شخصية من أصحاب مؤسسات الإنتاج الفني للدورة الحالية 2020، وفي دورة 2013 كان عدد الموسيقيين يتجاوز الـ60. بينما في بلادنا يكفي أن يقوم أحد “المختصين” بإنشاء تجمّع ما على إحدى وسائط التواصل الاجتماعي لينشر بمفرده أحكاماً ليس على عمل فني واحد بل على حقبة زمنية كاملة من الانتاج الفني يعتبرونها “مقدسة” بكل معاني التقديس المفهومة لاسيما بتقزيم أي عمل لا ينتمي لهذه الحقبة واعتباره فجّاً غير ناضج ذلك النضج الكامل في زمن كانت فيه المفاهيم الفنية معدومة تماماً.

عربيّاً، قد يتوسع مفهوم “العبادة” بما يشبه “الطرفة”، من شخصية فنية إلى “مدينة” بحالها، يتم اعتبارها من قبل فئة ما “سيّدةً” لأحد الفنون، قد نجد مدينة غربية تتمتع بهذه الميزة، إنما الاختلاف هو عندما ترتكب تلك الفئة “جريمة” نفي الأصالة الفنية عمّا عداها من مدن وفنانين.

عبادة قمة فنية تسيء إلى ما عداها من قمم، وتُقَزِّم قامات أخرى، توجه “الذوق العام” نحو محاكمة مغلوطة للجمال في بيئة اعتاد الجمهور أن يحتاج للراعي الذي يقوده نحو المِزْوَد. تكمن خطورتها في تحويل الأحكام الجمالية إلى “أيديولوجيا” حقيقية، وأدلجة الذوق تصيبه في مقتل!
.

*(ملحن وباحث موسيقي – سورية)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك