32 سنة على رحيل ناجي العلي.. والرصاصة القاتلة مازالت مجهولة المصدر !
قال عنه إبن عكا غسان كنفاني: "إن الحدة التي تتسم بها خطوطه، وإن قساوة اللون الراعبة، وإن الانصباب في موضوع معين، تدل على كل ما يجيش في صدره بشكل ٍ أكثر من كافٍ".
|| Midline-news || – الوسط …
شهناز بيشاني:
عفواً، فإني إن رثيتُ فإنّما
أرثي بفاتحة الرثاء رثائي
عفواً، فإني مَيِّتٌ يا أيُّها
الموتى، وناجي آخر الأحياء !
..أحمد مطر
يصادف اليوم ذكرى اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي سليم حسين العلي،في لندن بتاريخ الـ22 من تموز/يوليو عام 1987 بعيار ناري تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في الـ29 من آب/ أغسطس 1987.
وكان العلي تميز بالنقد اللاذع الذي يعمّق عبر اجتذابه للانتباه الوعي الرائد من خلال رسومه الكاريكاتيرية، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على ريادة التغيّير السياسي باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف، وله أربعون ألف رسم كاريكاتيري.
ولا يعرف للرسام العلي تاريخ ميلاد على وجه التحديد، ولكن يرجح أنه ولد عام 1937 في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، وبعد احتلال إسرائيل لفلسطين هاجر مع أهله عام 1948 إلى جنوب لبنان، وعاش في مخيم عين الحلوة، ثم هاجر من هناك وهو في العاشرة، ومنذ ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدًا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها.
(اسمي ناجي العلي، ولدت وين انولد المسيح عليه السلام، بين طبرية في الناصرة في قرية الشجرة بالجليل الشمالي. أخرجوني من هناك بعد عشر سنوات في عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان… أذكر هذه السنوات العشر، أكثر مما أذكره من بقية عمري. لسه العشب والحجر والظل والنور أشياء ثابتة، كأنها محفورة في عيوني حفراً… لم يخرجها كل ما رأيته بعد ذلك).ومن مخيم عين الحلوة بدأ المشوار… وكان لافتاً أن أصدقاء ناجي الذين تحدثوا عنه، كانوا شريحة من الناس البسطاء، يشبهون الرجال الشرفاء المتعبين الذين رسمهم باعتبارهم ضمير القضية… تحدث هؤلاء عن طفولته الفقيرة، وعن التشرد القاسي في لبنان، الذي قال أحد المتحدثين إن الفلسطينيين فيه، ومنذ وطأت أقدامهم لم تكن لهم أية حقوق… لكن ناجي لم يلتفت إلى قسوة الأشقاء… فالمخيم ليس وطناً بديلاً، وليس حلاً دائماً… الوطن والحل والحلم هو فلسطين، والعدو هو إسرائيل ومن يفرط بالحقوق من أبناء القضية أو من اؤتمن عليها…
لهذا وجه ناجي العلي سهامه الجارحة والغاضبة والمشحونة بالألم والسخط إلى من فرطوا وتحولوا إلى سماسرة في أي مفصل من مفاصل الصراع صغيراً كان أم كبيراً… رسم بصدق، وعبّر بجرأة،
وانتقد بحدة… وفتحت له الصحف صدر صفحاتها، وصارت رسوماته حديث الشارع والساسة، وأهجية الغضب في الزمن العاصف… زمن لم يحتمل فيه الكثيرون وجود ناجي العلي…
فكان عليه أن يسافر إلى الكويت حيث عاش هناك لسنوات ورسم في صحيفة ‘القبس’ حتى صار معلماً من معالمها… ثم خرج مطروداً من الكويت بعد ضغوط سياسية، وجهت أصابع الاتهام فيها إلى الراحل ياسر عرفات.
واجهت الجيوش برسومي الكاريكاتيرية ولوحات عن الأزهار والأمل والرصاص”.
👌إنها كلمات رسام البسطاء والفقراء ، الأحرار والمناضلين والمحاصرين، ويقرؤون كتاب الوطن في الغربة .. وينتظرون أن يولد الحلم مع شروق الشمس ..
إنه ناجي العلي رسام القضية الفلسطينية ، والفنان الذي تحدّى الظلام بضوء القمر والدبابات بالأزهار ، وتحدى الجيوش الجرّارة بالطفل “حنظلة”
إنه الرسام والشاعر الذي لم يجد أعداؤه وسيلة لإسكاته والتخلص منه إلا بقتله، بعد أن استعصى على الشراء والبيع، وفشل في لعبة التوازنات ، فكيف يمكن التوفيق بين القاتل والقتيل، والجلاد والضحية .
أنا منحاز لمن ينامون في مصر بين قبور الموتى، ولمن يقضون لياليهم في لبنان يشحذون السلاح الذي سيستخرجون به شمس الصباح، ولمن يقرؤون كتاب الوطن في المخيمات).لقد رسم ناجي العلي رسام الكاريكاتير الفلسطيني نفسه بكلمات بسيطة وصادقة تشبه في بساطتها وعمقها رسوماته، وشخوصه التي حركها على مسرح الكاريكاتير السياسي الذي ابتدعه فكان حنظلة (أيقونة روحه) وكانت فاطمة (فلسطين في طهرها ونقائها)
وكانت الوجوه المكدودة المتعبة هي نقيض أصحاب الكروش المتخمة… وكان ناجي في النهاية هو الشاهد والشهيد الذي انتصر بموته وبالحديث عن ذكراه عمن تورطوا بعار اغتياله.
يكتنف الغموض اغتيال ناجي العلي ففي اغتياله هناك جهات مسؤولة مسؤولية مباشرة
الأولى الموساد الإسرائيلي
والثانية منظمة التحرير الفلسطينية كونه رسم بعض الرسومات التي تمس القيادات آنذاك
اما قضية الاغتيال ان جاز التعبير قد تنتهي بفرضية التصفية أو بعض الأنظمة العربية مثل السعودية بسبب انتقاده اللاذع لهم.
أطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي على ما أسفرت عنه التحقيقات البريطانية ويدعى بشار سمارة وهو على ما يبدو الاسم الحركي لبشار الذي كان منتسبا إلى منظمة التحرير الفلسطينية ولكن كان موظفا لدى جهاز الموساد الإسرائيلي .
وتمت العملية في لندن بتاريخ 22 تموز عام 1987م فاصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 اغسطس 1987، ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه.
قامت الشرطة البريطانية، التي حققت في جريمة قتله، باعتقال طالب فلسطيني يدعى إسماعيل حسن صوان ووجدت أسلحة في شقته لكن كل ما تم اتهامه به كان حيازة الأسلحة.
تحت التحقيق، قال إسماعيل أن رؤساءه في تل أبيب كانوا على علم مسبق بعملية الاغتيال.
رفض الموساد نقل المعلومات التي بحوزتهم إلى السلطات البريطانية مما أثار غضبها وقامت مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، بإغلاق مكتب الموساد في لندن.
لم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع.
ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك.
يتهم البعض إسرائيل بالعملية وذلك لانتمائه إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها
يتهم آخرون منظمة التحرير الفلسطينية وذلك بسبب انتقاداته اللاذعة التي وجهها لقادة المنظمة.
بحسب تقرير للبي بي سي فإن أحد زملاء ناجي العلي قال أن بضعة أسابيع قبل إطلاق النار عليه التقى بناجي العلي مسؤول رفيع في منظمة التحرير الفلسطينية، وحاول إقناعه بتغيير أسلوبه فقام ناجي العلي بعد ذلك بالرد عليه بنشر كاريكاتير ينتقد ياسر عرفات ومساعديه .
دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230191.
أصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث وبقي بعد ناجي العلي ليذكّر الناس بناجي العلي.
نشرت جريدة الأوبزيرفر اللندنية هذا الكاريكاتير تحت عنوان «النكتة التي كلفت الرسام حياته»،
وذلك بعد اغتيال ناجي العلي، في لندن..
أما رشيدة مهران التي ذكرها العلي في الرسم فعنها يقول الصحفيون أنها كانت عشيقة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وهي نفسها مؤلفة كتاب «عرفات الهي».
«هل تعرفون رشيدة مهران؟؟
لا تظنوا أنها إحدى الفدائيات..هي سيدة مهمة تركب الطائرة الخاصة برئيس منظمة التحرير وتسكن قصراً في تونس وتُقرب وتُبعد في المنظمة وهيئاتها، رسمتُ عن رشيدة مهران وبعدها انهالت تهديدات وتهاني وتعاطف»
بهذا علق ناجي العلي على الكاريكاتير في حوار مع مجلة الأزمنة العربية قبل اغتياله بيومين في منزله بلندن
و نُشر بعد الاغتيال وبحضور زوجته أم خالد، كما ذكر العلي فيه أن عرفات وقف عام 1975 يخطب قائلاً: من هو هذا ناجى العلى؟؟
قولوا له إن لم يتوقف عن رسومه لأضع أصابعه في الأسيد.الدكتور باسم سرحان في مقال له عام 2010 حمل عنوان «أمانة من ناجي العلي »، تناول معلومات خطيرة،وإن أتت متأخرة، تتعلق باغتيال العلي متهماً عرفات بالوقوف وراء عملية الاغتيالحيث ذكر له العلي أمام باب منزله في لندن وقبل اغتياله بيومين أو ثلاثة أيام «أًحمِلك أمانة،كائناً من كان قاتلي، إن قاتلي هو ياسر عرفات».
” إذا أدار حنظلة وجهه لي … فسأرى وطني ..”
تلك العبارة التي قالتها فتاة فلسطينية ، تطرح بقوة ذلك السؤال الملّح في ذاكرة الكثيرين وهو لماذا لا يدير حنظلة وجهه ؟ ولماذا يرفض أن يرانا ؟!
لقد ابتكر ناجي العلي شخصية “حنظلة ” ذلك الطفل ذو العشرة أعوام ، والذي لايكبر أبدا ً وكأنه أحد الشخصيات الأسطورية التي يقذف بها القدر في قلب الحياة لمواجهة مصيرها المحتوم والمجهول ، حتى أصبح رمزا ً دالا ً على الفلسطيني التائه الذي يجوب الأرض متنقلا ً بين الحدود والسدود حتى أصبح الوطن لديه مجرد وثيقة أو جواز سفر !!
ودائما ً مانجد “حنظلة” ذلك الطفل الذي لم يعرف ترف الطفولة ، واقفا ً وحده في التيه، حيث الصمت والسكون الممتد إلى نهاية المدى ، بملابسه المهترئة وشعره الذي يشبه تاج الشوك، حتى أصبح رمزا ً للقضية الفلسطينية كلها ، لذا جاءت وقفة حنظلة نوعا ً من الرفض والاعتراض على الاستسلام والهزيمة ، فمتى نكون عند حسن ظنّه؟!
لعله يدير وجهه لنا يوما ً !! ..
أخيرا : لقد مات ناجي العلي ، لكن بقي حنظلة ..!! .