مـن سـاكـو وفـانـزيـتـي إلـى الـبـوعـزيـزي .. بـقـلـم نـجـيـب الـبـكـوشـي ..
|| Midline-news || – الوسط ..
في الخامس عشر من شهر أفريل/نيسان سنة 1920، وفي ولاية ماساتشوستس الأمريكيّة ، وقعت جريمة قتل صرّاف رواتب مصنع أحذية وحارسه قرب مدينة بوسطن ، بعد بضعة أسابيع ألقت الشرطة الأمريكية القبض على مهاجرين إيطاليين ووجهت لهما ظلماً تهمة قتل الصرّاف وحارسه وهما بارتيميليو فانزيتي ، وكان بائع سمك على عربة متجوّلة ، ونيكولا ساكو ، وكان إسكافياً .
تلفيق الجريمة لهذين الكادحين كان بدوافع عنصريّة لأنّهما مهاجرين إيطاليين ، ولأنهما كذلك كانا ناشطين في الحركة العماليّة الأمريكية ، وتمّ الحكم عليهما بالإعدام في ماي/أيار 1921 ، رغم الاحتجاجات الكبيرة التي اجتاحت الولايات المتّحدة الأمريكيّة والعالم بأسره مساندة لهما ، و في شهر أوت سنة 1927 تمّ تنفيذ حكم الإعدام في حقهما رغم إعتراف شخص يسمّى سليستينو ماديوروس بإرتكابه الجريمة ، وشهادة عدّة أشخاص أنّهم إشتروا السمك من البائع المتجوّل بارتيميليو فانزيتي في يوم وتوقيت وقوع الجريمة .
ظلّت محاكمة ساكو وفانزيتي الجائرة وصمةَ عار على جبين القضاء الأمريكي ، وألهمت قضيتهما العادلة عدّة كتّاب ومبدعين ، من أبرزهم المخرج جوليانو مونتالدو ، الذي تحدّث عن قصّتهما في فيلم رائع سنة 1971 حمل عنوان “ساكو وفانزيتي”.
بعد 57 عاما من تنفيذ حكم الإعدام ، سنة 1977 ، أعلن حاكم ولاية ماساتشوستس الأمريكية بصورة رسمية تبرئتهما من التهم الموجّهة إليهما وتقديم الإعتذار لعائلتهما .
في السابع عشر من شهر ديسمبر سنة 2010 وفي مدينة سيدي بوزيد التونسيّة أقدم البائع المتجوّل محمّد البوعزيزي على إضرام النار في جسده ، ليهدي الحريّة لأبناء وطنه بعد عقود من الدكتاتورية ، محدثاً زلزالاً جيوسياسياً في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج .
بعد تسعين عاماً لازالت قصّة البائع المتجول الإيطالي بارتيميليو فانزيتي ورفيقه الإسكافي نيكولا ساكو نبراساً ينير الطريق أمام كلّ مظلوم في بحثه عن الحق ، في حين تحوّلت ذكرى البائع المتجوّل التونسي محمّد البوعزيزي بعد ثمانِ سنوات على رحيله في أذهان شريحة واسعة من التونسيين خصوصا والعرب عموما إلى لعنة .
أيّها التونسيون ، أيّها العرب ، يا أمّة الجحود ، هل رافقكم محمد البوعزيزي إلى صناديق الإقتراع ؟ هل كتب لكم محمّد البوعزيزي دساتيركم الجديدة ؟ هل فرض عليكم محمد البوعزيزي حكوماتكم الفاشلة ؟ هل حرّضكم محمد البوعزيزي على قطع رؤوس أطفالكم وبيع نسائكم في سوق النخاسة ؟ قطعا لا ، فأتركوه إذاً يضمِّد جراحه بسلام .
سوف يشهد التاريخ أنّ ألسنتكم كانت أشدّ قسوة من ألسنة النار التي إلتهمت جسده النحيل ، أمّا نحن ، فرغم الألم سنواصل إقتفاء أثار الحريّة وراء عربة الشهيد محمّد البوعزيزي ونمشي بقدميه الداميتين .