|| Midline-news || – الوسط …
.
أعلِنَ عن يومٍ خاصٍ للسرقة, وباستطاعةِ الجميع أن يسرقَ ما يشاء. وما أن اتحدتْ عقاربُ السَّاعةِ مع الرَّقم 12, حتى خرجَ العالمُ إلى الشَّوارع وبدأتِ الأيدي تمتدُّ وتنتشلُ ما تحبُّ وتشتهي.. هذا راحَ يشتري راحةَ البال تلكَ التي فارقتْهُ منذ سنينٍ طِوال, وهذا سرقَ على الملأ ابتسامةً وضحكةً لم يشعر بها من قبل, وذاكَ سرقَ أخيهِ منَ السِّجنِ لتهمةٍ ألصقوها به بعدَ مؤامرةٍ منحوتةٍ بدقة وراحَ يقبلهُ بشغف, وتلكَ خرجتْ منَ المنزل لتسرقَ عشيقَها الذي سُرِقَ منها في ليلةٍ غابَ فيها القمر, ومنهم من كانَ مسلوباً أكثر من غيره, فذهبَ على الفور وسرقَ خريطة فلسطين وراحَ يحلمُ أنَّهُ في بيتِ جَدِّهِ هناكَ في رام الله.. وهذا مدَّ ذراعَهُ على طولِها وسرقَ لحمةً من دكَّانِ اللحامِ التي طالما ما مرَّ أمامَها ولم يجرؤ على النظرِ إليها وأخذَ يُطعِمُ أولادَهُ وزوجتَهُ, ثُمَّ تجرَّأ أكثر وسرقَ الحب لينثرَهُ وسطَ منزلِه, فقد جفَّ الحبُّ منذ سنين, واللحام سرقَ كرسي الوزير ونصَّبَ نفسَهُ وزيراً, وما شفعَ لهُ.. هيَ شهادتُهُ الجامعية التي علَّقها منذ زمن على جدارِ دكَّانه, والوزير سرقَ منصباً أرفع, فقد ملَّ جمودَهُ على الكرسي وكأنَّهُ آلةٌ صمَّاء خُصِّصَتْ لخدمة أيادٍ خفيَّةٍ سوداء, وآخر سرقَ طِفلاً صغيراً لفشلِهِ في الإنجاب منذ زواجِهِ الأوَّل قبلَ ثلاثين عاماً, أمَّا العصافير فقد غادرَتْ أقفاصَها بحثاً عنِ الهواءِ الطَّلق الذي افتقدَتْهُ منذ أجل, والدِّيك سرقَ الزَّعامة وعيَّنَ نفسَهُ ملِكاً للغابة, والسُّلحفاة أطلَّتْ برأسها وأخرجتْهُ من الصَّندوقِ المُقعَّرِ على ظهرِهَا منذ الأبد, وكثيرونَ من سرقوا النُّقودَ لحاجتِهم الماسَّة إليها..
سادَتِ الأفراح ذلكَ اليوم, وعَمَّتِ السَّعادةُ الطُّرقاتِ والأزقةَ والحواري, ارتسمتِ الضَّحكاتُ على الوجوه, وعشَّشَتِ في القلوب, نامت المدينة على وَقْعِ الاحتفالات, وما أن سطعَتْ شمسُ اليوم التالي, حتى افترشَ رجالُ السُّلطاتِ المُختصَّة المدينة, وصادروا كُلَّ ما سُرق وأشياءَ أخرى فوقَها, وعادَ الليلُ الكالح ليُسيطِرَ على المدينة, ذبلتِ الأزهار, ترهَّلتِ الأجساد والوجوه, اصفرَّتْ أوراقُ الشَّجر, عادَتِ الأقدامُ لتسيرَ بتثاقل, وعادَ الظَّلامُ ليُخيَّمَ على المدينة أكثر من أيِّ يومٍ آخر..
في السَّنةِ القادمة تمَّ الإعلانُ عن نفسِ العيد لِمَنْ يرغبُ بالسَّرِقة, لكن.. لم تُسجَّل ولو حالة سرقة واحدة.
*قاص وروائي- سورية
*(اللوحة للفنانة التشكيلية خلود السباعي- سورية)