عن شعريات الحفاة .. أحمد علي هلال
|| Midline-news || – الوسط …
الحفاة… كم لمدلولات هذه الكلمة حينما تتصادى في الكتابات وفي المدونات، لتشي بانثيالات الرهافة وفطرية العراء لنجدها مركبة في تعابير مفتوحة على الدوام من مثل (حفاة الأرواح، وحفاة القلوب، وحفاة الكلام) ولم يعد تعبير حفاة الأقدام وحيداً بل تعدى إلى غيره، هكذا هي فطرية الكائن حينما يعبر من الطبيعة الأم إلى اللغة بوصفها طبيعة ثانية.
فهل أصبح العراء بمثابة المواساة للقلق النبيل الذي يساور الكائن/ الإنسان ليعود إلى فطريته وبراءته الأولى، تماماً كمن يختبر الولادة في غير طقس وهو يشهد ذلك (الموات) في الكلمات والأشياء ويتوسل معاندته ولو قليلاً، لعل ذلك كان شأن الشاعر الألماني (فولفكانغ بوشرت) في قصيدته العندليب يغني حينما أنشد: (نقف حفاة الأقدام في الليل وهو يغني)، وشأن بوشرت شأن الكثيرين ممن قادتهم أقدامهم العارية ليستبطنوا الليل دخولاً في كتابه وفصوله، وليذهبوا إلى مرايا أرواحهم العارية يستنطقونها بشيء من الأمل العصي على التفسير والتعريف، فهو الهارب دائماً وأبداً من أسر التعريف وسلطته، لأنه مشروع مفتوح على أبدية خضراء مازالت تواسي قلق الكائن النبيل/ الإنسان ليعبر ذلك الموات القسري إلى برهات بيضاء يتنفس فيها شعره والحياة، وليكتب في إثر روحه مدونة البقاء بما امتلك من جنون اللحظة مفجراً محدوديتها، إذ اللحظة هنا زمن آخر مقطوف من الخيال وموزع بقدر محسوب على الأيام/ الحكايات، ولكل راوي حكايته ولكن أين تلتقي هذه الحكايات؟.
هي المعجونة بفائض الألم، لكنها المتطيرة بما يكفي من تراثه العتيد الذي حفر في الأرواح غير أخدود وشق غير طريق، أن تذهب إلى الطبيعة عارياً سوى من روحك لعلك تكتب فصل ولادة سريعة من خاصرة الوقت والأسئلة، وتطلق طيور التأمل كي تتسلق الجبال وتغتسل في البحيرات الغافية في حضن الجبال، ولعلك تشهد ميلاد قصيدة فطرية لا يشغلنك فيها ذلك الهارموني بين الذاتي والموضوعي، بل إن ما يشغلك أكثر أن تلتقط تلك اللحظة لتصبح أثيرية، تُستعاد كلما هبت رياح الذاكرة، وفي ذلك البرزخ تندلع تلك الشعريات بمقاماتها المختلفة لكأنها تؤلف أجزاء ذلك السيمفوني البديع الذي يضبط إيقاع الوجود لحظة بلحظة، تبوح وكأنك شجرة واقفة أبداً في مهرجان الريح وتقبض على أوراقك كلها كي يدون طير عابر ما تيسر له من بوح ملون وحينما تتحسس روحك تجدها هنا، في إثر طائر وفي إثر وردة مشغولة بحوار العطر والشوك، وفي إثر ثمار الرمان المتدلية على الشوارع تستحث زائرها ليغير طعم أيامه قليلاً، ويسألون ما جدوى الشعر في هذا الزمان المختلف، بل ما جدوى الكتابة في زمان صار من الصعب توصيفه بشكل ناجز… الشعر هو الشعر محتفظ بزمنه الخاص ولو جاء مفارقاً لما نعرف وطاعناً في دهشته حدَّ الذهاب إلى غيبوبة المعنى، تلك الغيبوبة الواعية التي تحملنا على أن نستعيد بضع أعمار مقصوفة باليأس والسأم ، ذلك أن السأم لم يعد شأن باريس وحدها، بل هو شأن الإنسان كما عواصمه الذي يتوق ليسكن العالم شعرياً، مغامر من طراز خاص كما كتابته وهي تفتح في أفق المغامرة، فهل ثمة شعرية للرجاء؟، ذلك ما يتوسله الكلام وهو ينحت من الماء والهواء أمثولة تعبر خفيفة كلحن صباحي طازج وكانفلات زهرة برية تبوح بعطرها كلما رمقتها الشمس وغسلتها بالضوء من أدرانها وأشواكها العنيدة… رحلة الإنسان في الزمن هي رحلة ضوء كثيف معانداً عالماً بلا خرائط ليعيد تأثيثه بالحلم أكثر، وبالقدرة على أن يمنح وجوده دلالة إضافية ليستوي ذلك (العاري) على أرض خياله/ نصه المسكون بزهرة الشغف، فالواقع مرايا ترقبنا كما نرقبها وما سوف يبقى… روح تبتكر لغتها مع سواها من كائنات لا تتكلم بل تحاكي أفعال الحياة.