طواحين الهواء /بقلم نبيه البرجي
الوسط-midline-news:
اذا ما غرقت التيتانيك , لسوف نرى رؤوسهم , قهقهاتهم, تطفو على سطح الماء . الآخرون , أوجاع الآخرين , تبقى في القاع …
لا يمكن أن تبلغ بنا السذاجة حد التصور أن هؤلاء الذين في الشوارع على قاب قوسين من الكراسي المقدسة . الكل متورطون في ما انتهينا اليه . انظروا كيف يفاوض الرئيس سعد الحريري , وكيف يشترط , وكيف يقبل , وكيف يرفض (وكيف يغضب) , كما لو أنه ليس شريكاً في كل الصفقات السياسية , وغير السياسية , التي أودت بنا الى هذه المتاهة . ما هو أبعد بكثير من المتاهة .
الآخرون يفاوضونه , ولهم شروطهم . لا بأس في اسناد بعض الحقائب الوزارية الى “الحراك” . لاحظوا براعتنا في صناعة البدع اللغوية , والبدع السياسية , على السواء : الحراك !!
للثورة بوسطة , للثورة راقصة . متى ننتخب “ملكة جمال الثورة” ؟
الثورات أخذت أسماءها من الألوان (أي لون لثورتنا ؟) . أيضاً , أخذت اسماءها من الأزهار . ثورة القرنفل , وثورة الياسمين , وثورة الأقحوان . اي نوع من الأزهار ينطبق على ثورتنا ؟ الشعراء السرياليون تغنوا كثيراً بزهرة الصبّار على أنها زهرة الشقاء . لنقل … ثورة الصبّار .
الماركسي جنباً الى جنب مع الداعشي . أتباع حسن البنا تتشابك أيديهم مع أتباع رينيه ديكارت . الخارجون للتو من روايات فيكتور هوغو يرقصون الدبكة مع الخارجين للتو من مقاهي الكوت دازور . الذي وجهه مثل طبق الفلافل يتماهى مع الذي وجهه مثل طبق الكافيار . التي يشبه أنينها انين الأرض تعانق التي تشبه آهاتها (وتأوهاتها) آهات (وتأوهات) هيفاء وهبي .
غريب كيف أن راغب علامة لم يعلن نفسه قائداً للثورة . تابعوا تغريداته . هذا الرجل يمتلك كل مواصفات الانسان الحقيقي . هاجسه أن يلتقط الصور مع ذلك الطراز من السياسيين . ايها الفنان الرائع , أنت تغني للقلب . هؤلاء أحاسيسهم أحاسيس وحيد القرن .
لا بأس , الشقيقة أميركا تقف الى جانب الثورة . الذين صنعوا , بأحذية الجنرالات , جمهوريات الموز في أميركا الوسطى , ولم يصغوا الى بابلو نيرودا وهو يعتذر من زهرة البنفسج “لأنني لا أمتلك سوى البكاء” . الذين كرسوا أنظمة القرون الوسطى في الشرق الأوسط , يقفون معنا , ويدافعون عن ثوراتنا . فجأة , أيها الناس , يتحول دونالد ترامب الى فرنسيس الأسيزي الذي أخذ منه البابا , البابا العظيم , ثقافة القلب …
متى كانت للأمبراطوريات آذان وتترصد ما يحدث وراء الجدران , جدران الثكالى ؟ دونالد ترامب أكثر من أن يكون دراكولا , اكثر من أن يكون شايلوك , وهو يقتطع لحوم (عظام) الناس .
كما لو أن أميركا ليست عرّابة الطبقة السياسية عندنا . عودوا الى بيانات سعادة السفيرة . لاحظوا كيف تهب لنجدة هذا أو ذاك حتى حين تقترب منه يد القضاء . لا نقول يد القضاء والقدر …
أكثر من مرة قلنا أميركا نسخة (بالانكليزية) عن القضاء والقدر . حتماً , لا نبرئ الأمبراطوريات الأخرى , الكبرى والصغرى , لسنا سوى الحجارة على رقعة الشطرنج . في النهاية , الصفقات على ظهورنا . هكذا قال عبد الرحمن بن خلدون عن العرب (الاعراب) .
على هذه الشاكلة انتهت الثورة . لكأن المشكلة في الاستشارات . الذين فوق يتفاوضون حول شكل الحكومة (وكيفية استيعاب الناس) . الذين تحت ما زالوا يراقصون طواحين الهواء …
لا نتصور أن ثمة طبقة سياسية أكثر تفاهة , واكثر نيرونية , من هذه الطبقة . البلد يتداعى , والمكاتب الاعلامية ماضية في التراشق (فقط للضحك على
لحانا) .
هؤلاء الذين فوقنا باتوا بيننا . احصنة طروادة . تصرخ “كلن يعني كلن” . الترجمة الفورية للصرخة “لا أحد منهم , لا أحد” . في آخر الطريق , الضحايا هم الذين يتساقطون . اساقفة الغيب يعدوننا “حسابهم يوم القيامة” !!
باحث وكاتب لبناني