«صورة الشاعر» في مماته!.. أحمد علي هلال
|| Midline-news || – الوسط …
.
ستظل صورة الشاعر المتخيلة في الوعي والذاكرة أكثر منها قدرة على الإيحاء والإلهام، أكثر منها في تعيناً واقعياً بامتياز، ليس وقوفاً على انفصام بعينه أو مبالغة تصويرية تختص مبدعاً أو سواه.
إنها الصورة ذاتها التي تلاحق الشعراء بوصفهم ظاهرة ترقى حدَّ النمذجة أو الأيقنة أحياناً، وربما لدواعٍ عاطفية أكثر منها استجابة جمالية تختص أكوان إبداعهم، لكن ذلك لا يعني أيضاً القفز فوق ما أنجزوه طيلة حياتهم المترعة بالانخطاف إلى الكلمة وما خفي منها وما ظهر، فهل تصير الكلمة الأكثر شبهاً بصاحبها؟!
ذلك سؤال شاق سيتوزع بلا هوادة على شعراء راحلين بصخب أقل لا يوازي احتدام خطاباتهم الشعرية، وتمرد أرواحهم على سلطة المكان والجغرافيا، فهم من يذهبوا إلى سلطة لغتهم العارية بنتوءاتها وعلوها وانخفاضاتها ووهداتها وأرضها المزروعة بالأشواك.
ذلك ما يعنيه رحيل شاعر بحجم سعدي يوسف، شاعر تلبسته الإشكاليات كما تلبسها هو، وجرب حظه مرتين: في سفر الرؤيا وأخرى في انتزاع مكانةً تليق باختلافه الفادح ثمناً، سواء لجهة ذلك التداخل مع صداقات أدبية وما يعني ذلك التداخل من خلخلة في استقبال النصوص وإنتاجها فمن يكتب لمن، سيما إذا تعلق الأمر بمبدعين صديقين وهنا تواسي هذا السؤال على الرغم من تواتره في الراهن الثقافي، فكرة العراب التي غالباً ما تُنسب لمبدع صديق وهي فكرة شديدة الوعورة والالتباس، فما يتبقى هو النص بذاته بوصفه حامل الأصوات السابقة واللاحقة عليه، والعابرة أزمنة قصية تخصبها الذوات المبدعة بحصة من الرؤيا والاجتهاد، حتى ولو اعترف الشاعر ذات حبر أنه من كتب –تلك الرواية- أو سواها، فعلينا هنا أن نتفحص الجواب كثيراً في غير مستوى لاحتمالاته السيكولوجية وبما تحمله من شطط بلاغي سيعني الأنا، التي تستدعي حضورها من ذاكرة المرايا، لكنها لا تجهر تماماً بل توارب بما يكفي أن نستدل على توضعها هنا أو هناك، في نسيج لغة تتعدد حواسها كما مراياها.
بالمقابل فإن ما كتبه الإيرلندي جيمس جويس ذلك الكتاب الشهير (صورة الفنان في شبابه)، سيبدو أقل وضوحاً من صورته (في مماته)، لكثافة التأويل التي تلحق بالراحلين وبوصفهم عاشوا في مضمرات شعرية سعت لمناهضة الأنساق ولكن…!
.