ســوريـة .. هـزّات وزلازل .. وسـام داؤد ..
midline-news .. الوسط ..
بدأ العام 2020 بمؤشرات إيجابية بالنسبة لسورية والسوريين على صعيد تحرير ما تبقى محتلاً من قبل الإرهاب وداعميه في شمال وشمال شرق سورية ..
في بداية شهر آذار أضطرت تركيا للموافقة على وقف لإطلاق النار بعد معارك مباشرة بين جيشها المدافع عن النصرة من جهة والجيش العربي السوري وحلفائه من جهة أخرى ، وتم ذلك بعد تحرير مناطق واسعة وفتح طريق حلب دمشق والاتفاق على فتح طريق حلب اللاذقية بضمانة روسية تركية .
لكن ، وبالتزامن مع هذا الإنجاز كان لغز فيروس كورونا يتقدم من ووهان في الصين ليجتاح معظم دول أسيا وأوروبا وصولاً للولايات المتحدة ومنها سورية بالطبع التي اتخذت إجراءات كباقي دول العالم لمنع تفشي الفيروس اللغز، توقفت الحياة العامة والاقتصادية وبات يسمع في الشوارع دبيب النملة كما يُقال .
ولأن السوريون يمتلكون أذناً سميعة وإحساساً عالياً بالخطر الذي ارتفع منسوبه مع الحرب التي خاضوها ومازالوا إلى اليوم ، وباتوا يستشعرون تحركات طبقات الأرض التكتونية على أعماق كبيرة جداً ، ويسجلون أرقامَ الهزات الأرضية الواحدة تلو الأخرى ، وسيطر عليهم لفترة رُهاب الزلزال المدمر ، لكن والحمدالله كانت الطبيعة رحيمة معهم وبهم ، واكتفت إلى الآن بالهزات الخفيفة التي لم تخلف أية أضرار .
رحمةُ الطبيعة لم يكن لها ما يوازيها في الاقتصاد والسياسية حيث الهزات كانت قويةً وشبه مدمرة لأهم مقومات بقاء الدولة السورية ، وهو المواطن .
هزاتٌ بدأت خفيفة في صيف العام الماضي ، أي في شهر آب ، ووصلت إلى ما بات الكل يعلمها ، بعد فيديوهات السيد رامي مخلوف أحد أهم أقطاب المال وصناعة القرار الاقتصادي في سورية لعقدين من الزمن .
القصة بدأت عندما رفعت لجنة شؤون الأحزاب في وزارة الداخلية دعوى لحل الحزب السوري القومي الاجتماعي “الأمانة ” والمحسوب على رامي مخلوف “الممول ” ، دون سابق إنذار أو أية مخالفات سياسية ، فالحزب كان عضواً في الجبهة الوطنية التقدمية ، وحاز أعضاؤه على تمثيل في البرلمان السوري من العام 2012-2016 ، وبعد اعتراضهم على قائمة الجبهة في انتخابات 2016 وانسحابهم منها دخل رفاقهم “المركز” في الانتخابات والجبهة بدلاً منهم.
سألت أحد الأصدقاء وهو من الأعضاء البارزين في الحزب “الأمانة” عن السبب الذي أدى إلى حل “لأمانة” فقال لي أن القيادة تريد حزباً موحداً يُعول عليه في المراحل القادمة ، لكن يبدو أن القصة لم تكن كذلك ، أو كانت كذلك وانحرف مسارُها بفعل التطورات اللاحقة ، فجبل الجليد بدأ ينكشف ، وبعد قرار حل الحزب صدرت قرارت أخرى بسحب جمعية البستان وإلحاقها بمؤسسات حكومية ، وحل جناحها العسكري الذي كان من القوات الرديفة للجيش العربي السوري منذ بداية الحرب في العام 2011 ، وبذلك كُسر جناح مخلوف السياسي والعسكري والإنساني في الداخل السوري وبقي الجناح الإقتصادي ، وهو جناح قوي وعميق تغلغل في كل مفاصل الدولة السورية واقتصادها ، وتمدد من المناطق الحرة إلى الاتصالات والتجارة والبنوك والعقارات والإعلام وغيرها الكثير .
وعندما اقترب القرار السياسي من هذا الجناح الاقتصادي لاستعادة القليل من حقوق الدولة والتي هي بأمس الحاجة لأموالها المنهوبة ، خرج السيد مخلوف على صفحته الشخصية على الفيسبوك بفيديوهات أثارت جدلاً ولغطاً كبيرين في سورية وخارجها ، وظّهرت الخلافات في دوائر صنع القرار السوري إلى العلن ، وبالتالي ربطت هذه الخلافات بطريقة ما بالخلاف الصامت بين موسكو ودمشق ، والذي يُعبَّر عنه بالسجال غير المباشر عبر الصحافة الصفراء إذا جاز التعبير ومن كلا الطرفين ، وهنا تجري الإساءة لسورية والسوريين عبر ربط أي تطورات في الداخل بأجندات خارجية .
بالعودة إلى الخلاف الداخلي حيث البلاد المهشمة اقتصاديا لا تحتمله وغيرقادرة على الاستمرار به طويلاً لأن السوريين يدفعون ثمنه غالياً من قوتهم وكرامتهم التي بذلو لأجلها الأرواح والدماء ، فهم من أبقوا على هذه الدولة حيّـة ، ومنها مصالح ومنشآت وبنوك وشركات السيد مخلوف ، وكل من باتوا اليوم يملكون المليارات ويصنفون ضمن فئة رجال الاعمال . لذلك لابد من القول أن ما تريده الدولة للحفاظ على بقائها وكرامة شعبها يجب أن تأخذه من أي شخص كان وبالطريقة التي تراها مناسبة ، لذلك لم يكن من الضروري إيصال الأمور الى ما وصلت إليه ، وفي هذا التوقيت بالذات فالسيد رامي مخلوف وثروته الهائلة والتي وصلت الى حدود الــ 30 مليار دولار ما كانت لتكون لولا قربه وقرابته من صاحب القرار في سورية .
كما أن ملبغ االــ “130” مليون دولار الذي طالبت به الدولة السورية لايشكل مبلغاً كبيراً من حجم هذه الثروة الهائلة التي من المفترض ، أو على الأقل من مبدأ رد الدين للسوريين ، أن يتبرع كل أصحاب المليارات من مُحدثي النعمة أو قديميها بنصف ما أخذوه بغير وجه حق للشعب السوري وبلا شوشرة ، لأنها بالأصل هي من حق هذا الشعب .
الزلزال الاقتصادي المفتعل في هذه الايام يؤذي كثيراُ ، ونتائجه بدأت بقتل السوريين ببطء عبر التجويع ، جنون الأسعار اليوم هي من نتائج هذا الزلزال ، وإذا ما استمرت هذه النتائج فالوضع خطير جداً ، ولاتقل خطورته عن وجود الإرهاب ، وما تسبب به على مدى عقد من الزمن .
في النهاية ، البقاء للدولة ، وكل الأمجاد الشخصية ومعارك النفوذ يجب أن لا يدفع السوريين ثمنها دائماً ، وكل الشركات والأموال والتبريرات لا تساوي قدم أو يد أو حتى إصبع بترت لجندي في الجيش العربي السوري وهو يدافع عن هذا الوطن ، وطن الفقراء الذين يفدونه قولاً وفعلاً بكل شيء ، ومن يدعي الدفاع عنهم فليعيد لهم حقهم .
بعد الله .. البقاء للدولة ، البقاء للدولة ، البقاء للدولة .