رولا أبو صالح.. تطرح فكراً فلسفياً وروحياً في نصوصها اللونية وتكسر الصور النمطية
استقطب معرضها كبار الفنانين التشكيليين في سوريا وجوارها
…صحيفة الوسط – midline-news
روعة يونس
.
في نصوصها اللونية التي قدمتها في معرضها الحالي؛ الذي افتتح يوم أمس في صالة “غاليري جورج كامل” بدمشق، غاصت الفنانة التشكيلية المبدعة رولا أبوصالح في الفكر والفلسفة، ثم حلّقت في فضاءات إنسانية، واستخدمت تقنياتها الفنية بذكاء لافت، ليس فقط من حيث الخامات والألوان، بل أيضاً من خلال شخوص لوحاتها الذين واللواتي ضللتنا في فئاتهم العمرية! فهم ذات مرة كما مراهقين وشبان، وفي أخرى يتعدون العشرين من العمر.
أخرَجت شخوص لوحاتها من حدود السن ببراعة، وكذلك حدود الملامح، فالمتلقي عليه التخمين هل هم شبان أم كبار، سعداء أم تعساء، عاثرون أم ناجون، بيخاصمون أم يتصالحون!
وبالتالي غاب المكان في لوحتها وغاب الزمان. فقد أحالتهما إلى “الكون” لتحيّدهم عن التاريخ والجغرافيا، وتمنح نصها اللوني هوية إنسانية (كونية) لا محلية ولا عربية ولا إقليمية.
.
اعتمدت في معظم لوحاتها (16 لوحة)- الأقرب إلى الجداريات (بينها فعلياً 3 جداريات 150X150) على تيمة “المهرج” لكن ليس المهرج الذي نعرفه في مسرح العرائس والاستعراضات البهلوانية! بل مهرج بطاقات “Tarot- التاروت” وتحديداً هو “The fool- الأحمق” حيث تروي البطاقات قصة الرحلات الروحية أو قصة التطور الروحي للإنسانية نحو التنوير والتفرد، وتنقسم إلى “الأسرار العظمى” و”الأسرار الصغرى” عبر 4 مجموعات، تمثل عناصر الكون (التراب والهواء والنار والماء).
وتلك العناصر تحولت إلى ألوان لوحاتها التي غلب عليها الأسود والترابي والأبيض مع قليل من الأحمر والأصفر لون النار.
.
.
أما لماذا استحضرت فنانتنا مهرج التاروت في لوحاتها، وأخرجته من صورته النمطية (المهرج الضاحك الباكي)؟! فلأنه تائه ضائع محتار يجهل كيف سيمضي يومه، وكيف سيكون غده! وهي حالة بشرية نعيشها جميعاً. سواء تحت وطأة الحروب أو وطأة الحياة ذاتها بكل أزماتها، وعبر كل الأزمان.. فالجميع حائر يبحث عن حبل الخلاص، ذلك الحبل الذي لاح لنا في بعض لوحات رولا، والكل يندفع يحاول الإمساك به، خشية الوقوع في الهاوية.
.
.
لاحظ الحضور المتابع لفن رولا أبوصالح.. الذي لم يقتصر على الأهل والأحبة والزملاء الفنانين، ولا على بطلتي بعض اللوحات التي رسمتهما الفنانة وكانتا ضيفتا المعرض في خطوة استثنائية لطيفة. أن الفنانة كانت جريئة ومغامرة في طرق لون قاتم، بعيد عن زي المهرج المزركش، بهدف كسر ما هو سائد ونمطي. فارضة أحجاماً كبيرة للوحاتها بغية الاقتراب من الحجم الطبيعي (الواقعي) للأشخاص. مستخدمة تقنية الإكرليك كأساس فوق القماش الخام، تضيف بعدها ضربات من الألوان الزيتية، إلى أن تستكمل لوحتها.
.
.
قبل الاسترسال مع الحضور.. ثمة ملاحظة يجدر التوقف عندها، فهي من صلب تجربة فنانتنا وليست على هامشها. فقد خطت لنفسها مساراً تصرّ من خلالة على إقامة المعارض الفردية، ولو كل 3 أو 4 أعوام. وهي لا تنأى وتتعالى على المعارض الجماعية المشتركة، إنما تريد التعريف بتجربتها وطروحاتها وأفكارها التي تستلزم منها سنوات لإنجازها. وما المهرج إلا بطاقة من 22 بطاقة، أي لا يزال أمامنا سلسلة طويلة من المعارض -(مع أمنياتنا لفنانتنا المبدعة بطول العمر وتقديم المزيد).
.
وفي الحديث عن حضور المعرض، لاشك بأن اجتماع قامات الفن التشكيلي، أصحاب التجارب الكبرى والمؤثرة في الحركة الفنية التشكيلية السورية، ومدير مديرية الفنون في “وزارة الثقافة” وأصحاب دور وصالات العرض، وكذلك بعض فناني فلسطين والعراق ولبنان، إلى جانب كبار الأدباء والإعلاميين، يعكس إيماناً وثقة في الفنانة الشابة أبوصالح وفنها المبتكر الذي تسعى من خلاله إلى تمرير أفكار فلسفية وروحية تشكّل بصمة لها في عالم التشكيل.. فضلاً عن الحضور المتوقع خلال أيام المعرض الذي يستمر لغاية يوم 22 أيلول الحالي.
.
.
توقفت “الوسط” مع الفنانة رولا أبوصالح، التي قالت عن معرضها:
“لاشك أنني أحب أن يمضي المتلقي في احتمالاته وتخيلاته إلى حيث يظن أو يتوسم. لكن في المقابل أريد أن تصل أيضاً فكرتي ورسالتي “أنا” إلى المتلقي”.
واسترسلت مضيفة “لاشك أن مطلق لوحة مفتوحة على عدة احتمالات وآراء، هي تعني المزيد من الإثراء والتنوع، لكنها في المقابل لا توصل فكرة ورأي الفنان نفسه، لذلك لا غضاضة في أن يعبّر الفنان للإعلام وللزوّار عن هوية ومقولة نصه اللوني، ثم للزائر حرية تلقي اللوحة والرسالة معاً”.
.