ذاكرة الأمكنة .. نجد سعيد
|| Midline-news || – الوسط …
الأماكن تشبهنا ونشبهها، تتغير وتشيخ وتتعب وتهترئ.. كأنّنا تشابهنا أنا وحارتنا وبيتنا. وكأنّ الحارة شعرت بما ينتظرنا من ثقل مشاعر الحنين والغياب الطازج دائماً..
ضجّت أصوات “العراضة ” في ليلتنا الأولى، لم تكن ليلة خميس ولكن يبدو أن هناك من لا يستطيع الانتظار! طبل ودربكّة ودعوة للرقص والفرح و”صلّوا على محمد زين زين مكحول العين…..” وهييييييي.
البيت مزدحم بِنَا وبأولادنا الذين يسألون: كيف كنتم كلكم بهذا البيت الصغير؟ بيت صغير يتّسع كون بأكمله؛ وهل البيت حيطان وسقف؟ هو بيت العائلة، بيت الأم /الجدّة، هنا ناديت: ماما، وهنا أسمع الجميع يناديني: ماما، خالتي، عمتي. ولعلها هي أيضاً تسمعنا ونحن نحدث أولادنا عنها ونسمي الأشياء باسمها: غرفة تيتة، كاتو تيتة، وبيض مقلي على طريقة تيتة.
ببساطة يتنقل الأحفاد في البيت وينامون في غرفة جدّتهم ويحضنون مخدّتها. أما نحن، نغالب دموعنا وحزننا على الغياب والبيت العتيق..
يفرحون بالنسمات التي تتسلل من الشباك المكسور ولا ينتبهون كم صار خشبه مهترئاً! نفرح مثلهم بالنسمات وننتبه كم نتشابه نحن وذلك الشباك!
يعبر الصباح فوق الأحفاد، يتركهم لأحلامهم ويعلم أنّهم لا يأبهون به. أمّا نحن ننتظره حيث يعتقد أنه يباغتنا، من شباك المطبخ المفتوح على حارتنا الجميلة وركوة القهوة العملاقة التي تتجدّد كلما استيقظ أحدهم، تبدو الحارة جنّة صغيرة وعطر كثيف.
تتعدد المفاتيح ويبقى مفتاح بيتنا هو الأحلى، خبّأته مع هويّتي بجزداني الصغير، بنعومة يدور بالباب وكأنّ وجهها وصوتها ينتظران..
في نفس الوقت الذي يبدو فيه البيت عتيقاً ومتعَباً –مثلنا- بفستان مطبّع بالورود وبعض حمرة، بستائر نظيفة وبلكون اندلق به ماء كثير وصابون، نعود معاً شباباً ممتلئين بالحياة وكأنّ الزمن مرّ قربنا وصالحنا بضحكة من القلب.
موسم التنزيلات في الشّام، إثنان و”واحد فوق البيعة”. ومع كل ضحكة وقبلة يطلع لك حضن كبير من الجارات، ومع كل حسرة وآه يطلع لك دموع مخبأة في العيون.
اشترينا في حملة التنزيلات بوظة لذيذة من باب توما و”فوق البيعة” حصلنا على كمشات من اللطف والضحكات والحكايات عن البلد..
لم يتغير شيء في “مكتبة النوري” الكتب فوق بعضها وزادت كمية الغبار عليها، ولما سألت الشاب/صديقي القديم عن صحة الخبر بأن المكتبة ستقفل كما معظم المكتبات، أجابني: مستحيل نغلق المكتبة، كيف بدنا نشوفك إذا أغلقناها؟