إضاءاتالعناوين الرئيسية
حدث ملحمي .. مراد داغوم
|| Midline-news || – الوسط…
.
كنت أجلس على الأرض وأذني تقابل جهاز التسجيل المضحك الموضوع على الكنبة، والذي كنت أمتلكه بداية السبعينات أستمع وأعيد الاستماع إلى مسرحية “الشخص” بعد أن نسختها من جهاز تسجيل البَكَر من عند جاري وصديقي منعم إنطكلي.
لا أستطيع معرفة مرات الاستماع يوماً بعد يوم، لكنها كانت أكثر من كافية لأن أبقى حافظاً لها غيباً كلماتٍ ولحناً حتى اليوم. كثيرة هي الجمل الموسيقية الدسمة في هذا العمل الضخم، الحواري منها وما هو أغنية منفردة، ألحان أسكرتني بحق. البداية ودخول “البياعة” ونرفزة الشعب والسلطة حتى الاحتفال ثم مصادرة “العربية” إلى جلسة المحاكمة ثم عملية البيع في المزاد العلني. كلها تنضح ألحاناً عذبة من السهل الممتنع الذي يأسر الفؤاد. ما يفسر إعادة هذا العمل مع مطربات أخريات مثل “رونزا” ثم “عفاف راضي” بنسخة مصرية.
كان الجزء الذي استحوذ على اهتمامي أكثر هو مشهد المحاكمة، وخصوصاً المقطع الرائع الذي يخص “النيابة العامة” والذي أدّاه “ملحم بركات” أيام فورة شبابه وقبل أن يعرفه الناس أداءً منقطع النظير. احتل هذا المقطع ركناً ثابتاً في ذهني، كنت أكرره كل يوم حتى امتزج هذا اللحن بروحي؛ إلى أن امتلكت أول “سيكونسر” (*) لي وهو “KORG T3” في بدابة التسعينات، فكان أول تسجيل أقوم بتنفيذه على هذا الجهاز هو مقطع “النيابة العامة”، استعملت فيه النحاسيات والوتريات وأعطيت الغناء لآلة الترومبيت.
ولمّا كان الأستاذ “جورج مرعب” صديقاً لي، وكان هو عازف الأورغ الذي يرافق “ملحم بركات” في حفلاته، وصادف وجود المطرب العملاق في دمشق بسبب عقده مع فندق “الميرديان”، ذكرت لجورج أنني قمت بتسجل ((لأجمل ما غناه “ملحم بركات” في حياته)) وأنني أود أُسْمِعَه ذلك، فنقل الحديث بدوره وحددا لي موعداً.
كان الموعد الرابعة ظهراً في غرفة الأستاذ جورج، أنا أحضرت معي قرصاً ليناً (فلوبي ديسك) فيه التسجيل والأصوات فقط لأن جورج لديه T3 أيضاً. وبعد أن حَمّلنا التسجيل والأصوات على جهاز “جورج” دخل الفنان “ملحم” بالشورت وبلوزة نصف كم، يبدو على وجهه أنه استيقظ للتو. حيّاناً وجلس على السرير بجانب الأورغ، ووضع “الهيدفون” على أذنيه، وضغطت أنا زر التشغيل.
للوهلة الأولى بدا الاهتمام على وجهه لأن الدخول كان مخدوماً جيداً بالتوزيع الهارموني والآلي، وما أن استطاع التعرُّف على الأغنية حتى نزع “الهيدفون” عن رأسه بعنف ورماه على السرير، واتجه نحو الباب قائلاً: (هذا أبشع لحن غنيته في حياتي) ! لكنه استعمل كلمة أخرى بدلاً من (أبشع) وغادر الغرفة غاضباً.
وبقي كره اللحن الرحباني يرافق “ملحم بركات” ليذكره في غير مقابلة صحافية أو تلفزيونية له. وعندما أحاول معرفة السبب أعجز عن ذلك، فهو لولا الأخوين ما وصل لما وصل إليه.
.
(*) – السيكونسر: عملية تسجيل الصوت على قنوات متعددة، وظيفة متوفرة في كثير من الأورغات الحديثة.
.