|| Midline-news || – الوسط …
.
ثور هائج في قفص..
هكذا وصفوا نوبة الغضب التي اجتاحت موظفنا اللطيف هذا الصباح.
الموظف الذي نجح جداً في مهمة الرد على مكالمات وطلبات الصيانة في عز الصيف، وطلب الصيانة في عز الصيف هنا يأتي غالباً من زبائن يتوقعون أحداً له بال واسع كسماء وسرعة بديهة وتصرف ذكي يحسن ترتيب الأولويات كما حال موظفنا الذي صار ثوراً هائجاً وفي أحسن حالاته ذئباً يعوي.
كل القصة ومافيها أنّه قدّم استقالته بعد عشر سنوات من العمل في شركتنا، قبل حكاية الكورونا، وكانت الشهور الثلاثة الأولى في هذه السنة هي الفترة التي يقضيها المستقيل عادة بالعمل بعدد ساعات أقل من المعتاد، يسلّم تفاصيل شغله ويدرّب من سيعمل لاحقاً ولكنّ صاحبنا وجد نفسه عالقاً هنا ينتظر دوره بأن يطير نهائياً إلى عائلته في مصر.
لا أحد يستطيع الإمساك بيديه وتهدئته، كلماتنا من بعيد تدخل من أذنه وتتكوّر في قبضة يده يضرب بها طاولته. حتى “عسى أنّ تكرهوا شيئاً وهو خير لكم” يسمعها بذهول ويتمتم بكلمات تتناوب بين الدعاء والشتائم.
أخبرني شريكه في السّكن أنّه شحن كل أغراضه من شهرين وهذه الأيام الأخيرة بدل أن يقضيها في التّسوق ووداع الحياة هنا صارت سجناً لا يطاق.
المفارقة المضحكة أنّ مسؤول المبيعات “العالق” في مصر مع عائلته! والذي لم تنفع وساطتي كي تمنحه الإدارة إجازة لمدة شهرين؛ انتهت إجازته من أسبوع ويريد العودة، وتعبنا جميعاً من محاولات طمأنته (على الهاتف) أنّ الشركة تعلم أنّ لا ذنب له بالتأخير وكلما تحدّثت معه يعطي التليفون لزوجته لتقول أنّه تحوّل إلى شخص لا يطاق يتصل بشركة الطيران كل يوم ويتنقل في البيت كالمجنون.
نتعلّم معان جديدة للرّغبة بالعودة إلى مسقط الرأس، الرّغبة بالعودة إلى مكان أكل العيش، أمّا تعابيرنا وتشبيهاتنا؛ ثور هائج، ذئب يعوي، أو حتى ببّغاء الرومي الذي دلق الزيت وتوقّف عن الكلام، كلها لا تصف حالنا؛ استنفارنا وغضبنا ومحاولاتنا للتحايل على غضب زبائن ل اترحم والطبطبة عن بعد على زملاء لنا تلاشت طاقتهم على الاحتمال، وكل منهم يعتقد أنه لوحده وحيد ومتروك لا يدري لماذا جاء وأين يمضي؟ بينما لا يفيدنا أنّنا جميعاً معزولون ووحيدون في هذا الكون.