رئيس التحرير

بين ثريا البطل الشعبي في الروايات وثرى “العقيد” في الحكايات .. طارق عجيب ..

|| Midline-news || – الوسط … 

 

تعتبر شخصية “العقيد” في الحكاية الشامية محوراً من محاورها الرئيسة، وللضرورات الدرامية تمنح لهذه الشخصية مواصفات تجعلها مُحبَّبة ، وتكسب تعاطف الناس وتأييدهم لها في ما تقوم به على اعتبار أن هذا “العقيد” يمثل المُدافع الأهم عن “الحارة” وساكنيها وتقاليدهم ومعتقداتهم  التي تربوا عليها  ..

هذا في الحكاية .. أما في الواقع فلقد كانت الشخصية عكس ذلك .. “العقيد” على الأرض كان “أزعر الحارة” ، صاحب القوة الجسدية والقدرة على إنزال الأذى والضرر بأي شخص يقف في وجه أطماعه ومصالحه وغاياته ، أي أنه الشخص الذي يمتلك ما يجعله قادر على فرض سطوته على الجميع ، وتحصيل المال بأساليب غير شرعية ولا قانونية ، ويفرض “الخُوَّات” على كبارها وصغارها وعلى تجارها وأعيانها مقابل أن لا يطالهم أذاه ، ولا يتجرأ أحد منهم على رفض “فرماناته” بسبب الخوف من ردود فعله المباشرة عليهم أو على عائلاتهم أو تجارتهم أو ممتلكاتهم ، لذلك سعى الجميع  لتقليده منصب “العقيد” ، لاتقاء شروره واستثمار “فتوته” وعضلاته فيما يخدم مصالحهم ويحصنون أنفسهم و”حارتهم” من أي خطر أو ضرر ، بحيث جعلوه يتولى حماية  “الحارة” من أي خطر خارجي أو خروج على قانون الحارة وتقاليدها من الداخل ، ويتولى تمكين أصحاب الأمر في “الحارة” من تنفيذ ما يرونه لصالحها وصالح ساكنيها !!، ومن الطبيعي أن تنتج شراكات ثنائية بين أولي الأمر أو بعضهم في “الحارة” من جهة ، و”العقيد” من جهة أخرى ، بحيث يحقق الطرفان مآربهما على اختلافها وتنوعها وتناقضها ، لتصل غالبية هذه الاتفاقات إلى خواتيم تتناقض مع مصلحة “الحارة” وساكنيها إذا تضاربت مع مصلحة “العقيد”  أومع من يتحالف معه ويدعمه لأسباب نفعية وخاصة .

في الرواية الشعبية تظهر شخصية البطل الشعبي ، وهو شخص انتزع صفة البطولة من حقيقة أنَّه فردٌ من المجتمع ، ثار على ظلمٍ أو طُغيان أو سلبِ حقوق أو انتهاك أعراض أو أي سببٍ آخر يَمس كرامة الإنسان وحقوقه وحريته ووجوده ، المميز في هذا الفرد أنه لم يكن “أزعراً” في حارته ، بل هو إنسان عادي امتلكَ ضميراً حياً، وشعوراً كبيراً بالنخوة والشهامة ، وتربى على قيم إنسانية طاهرة ، وأخلاق حميدة ، وشعور صادق بالكرامة والعزة ، لذلك كانت ثورته مبنية على منظومة قيم وأخلاق وحقوق ومبادئ إنسانية سامية ، وخاض ثورته بذراعه وروحه ودمه ودعم مجتمعه، كل ذلك جعل منه رمزاً شعبياً لكل أفراد ومكونات المجتمع الذي ثار وقدم الروح لأجل كرامته وحقوقه وقيمه ..

دوافع الثورة عند البطل الشعبي لا تميز بين من ثار من أجلهم على أي أساسٍ كان ، وغاياته في ثورته تجعل من خصومه مهما اختلفت تسمياتهم كياناً واحداً امتلك موجبات الثورة عليه ..

تختلف بشكل جذري شخصية “العقيد” في حكايا الحارات الشامية عن شخصية  “البطل الشعبي” في الروايات الشعبية ، وأكثر ما يمكن أن يعتبر ظُلماً وإساءةً  لشخصية البطل الشعبي ويُعد تقزيماً وإهانة لها ولمعاييرها ومواصفاتها  ، هو الخلط  بينها وبين شخصية  “العقيد” ، فلا يجوز بأي شكل من الأشكال المقاربة بينهما ، فلكل منهما منظومة معطيات ومعايير تُشكل الأرضية التي بنيت عليها الشخصية ، والتربة التي تُغذيها .

لذلك كان من االسهل جداً وبمقارنة بسيطة  بين المنظومتين أن نكتشف تناقضاً جذرياً بين الشخصيتين ، ومن الطبيعي ضمن هذا الفهم أن يكون “العقيد” هدفاً مشروعاً للبطل الشعبي .

إلا ان قصور الفَّهم والرؤية ، ووجود غايات قذرة من تصنيع شخصية “العقيد” ، وتغييب التقييم الصحيح لمعايير توصيف كل من ادعى أنه “ثائر” ، كل ذلك هو ما تسبب بالخلط بين البطل الشعبي وبين “العقيد” ، وهذا الخلط كان مقصوداً في أحيان كثيرة بهدف تصنيع “أيقونات” زائفة وخادعة لشارع مظلومٍ من كل من يدعي أنه مسؤول عنه ، وحريص على مصلحته ، ويدافع عن ما يتهدده ويتهدد مستقبله ، ومن ثم تتم قيادة هذا الشارع بتصدير “عقيد” أزعر لا يمتلك أياً من معطيات ومعايير منظومة القيم للبطل الشعبي ،  فتتحقق مجموعة المصالح التي يريدها من يقف خلف هذا الغش والتدليس ، سواء كان الهدف قيادة الشارع نحو غايات لا تخدم مصالحه وحاضره ومستقبله بل العكس هو ما يجري ، أو كان الهدف ملء الفراغ البنيوي في ما يسميه البعض “ثورة” ، فراغٌ سببه غياب البطل الشعبي لغياب منظومة القيم والمعايير اللازمة لحضوره ، وتوافر منظومة معطيات ملوثة تصنع فقط  “عقيد” أزعر .

الخلط بين الشخصيتين يخلق حتماً خلطاً بين مثقفين ونُـخَـب يستمدون مواقفهم من منظومة قيم البطل الشعبي ، وبين مثقفين ونُـخَـب يستمدون مواقفهم ويثبتون حضورهم من منظومة “العقيد” وزعرنته .

رئيس تحرير || Midline-news || – الوسط … 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك