الشارع الجزائري يـنـتـفـض .. حـراك فـي مـهـب الـتـغـيـيـر ..بقلم نذير صنهاجي ..
مند فترة وانا اتابع ما يحدث في الوسط الجزائري من تظاهرات واعتصامات تنادي تارة بتنحي الرئيس وتارة اخرى بمحاسبة الفاسدين وابعاد رموز النظام الفاشل ،ولم اكن ابدا اتصور ان يثور هذا الشعب ويكسر كل قيود الخوف وينشل ثوب العشرية السوداء المدبوغ بدماء الاف الجزائريين .
لم يكن احد يتوقع ان الازمات التي شهدتها الدول العربية مثل مصر وسوريا وتونس وليبيا قد يكون لها تأثير على بلد المليون ونصف مليون شهيد ،خاصة وان الشباب اللذين يقودون الحراك الراهن كانت الحكومة قد اشترت صمتهم وكسبت هدوؤهم بما يعرف بعقود التشغيل، يحصل فيها معظمهم على قروض مالية مكنتهم من انشاء شركات صغيرة ،وفي أغلب الاحيان لم تدم طويلا بسبب عدم خبرتهم وافتقراهم لمؤهلات حقيقية تسمح لهم بالمضي قدوما في مشاريع حقيقية بقد ر ما كانت قروض شكلية هدفها امتصاص غضب الشارع وتهدئته.
تطور المجتمع وانفتاحه الكبير على العالم الخارجي- في زمن العولمة- جعلني ارى أبناء بلدي ينسلخون عن أصلهم ويمجدون من صنع لنفسه مجد مزيفا ولوهلة شعرت انهم فقدو روح وطينتهم وتناسوا ما عاشه اجدادنا من اجل الاستقلال ونكروا رموزنا وطمسوا ثقافتنا حتى صرت وانا في الجزائر اجد نفسي في مكان غريب لا يشبه أزقة أحياء مدينة القصبة العتيقة ولا تنبعث رائحة الياسمين التي ألفناها في حاراتنا ….شباب لا تهمه سوى موسيقى الهيب هوب و الأقمصة البالية ،حالهم حال مراهقي أوروبا.
الحكومة هي الاخرى استعملت سياسات الترهيب بنقلها لمجازر وتفاصيل أحداث كانت تمر بها سوريا حينها فأصبح الشعب ينام ويصحا على خوف داخلي ،سرعان ما ترجم في حراك سلمي يدعو للتغيير و يراقب يميننا وشمالا حرصا منه وتـأهبا لأي محاولة استغلال للوضع رافضين كل أشكال التدخل سواء من الخارج او من الداخل ،هاجموا كل شخصية سياسية حاولت اقحام نفسها في مطالب الشعب ، ما أحدث قطيعة بين الشعب واحزاب كانت ترى في نفسها ممثلة لهم واصبح الشعب يتلاحم اسبوعيا في مظاهرات حاشدة يحضرها الكبير والصغير في كل ارجاء الوطن دون استثناء .
نساء ورجال صدقوا شعاراتهم ووحدوا افكارهم واتخذوا لنفسهم شعار (تتنحاو غاع) والذي يعني في اللهجة المحلية تغادرون جميعا ،رافضين الرئيس ورموزه و غير مبالين لسيناريوهات التدخل الأجنبي …..
ادركت اليوم ان الجزائريون لايزالون متشبثين بتاريخهم ولم يجحدوا ثورة الامير عبد القادر ولم ينسوا نضال الملكة ديهيا ولم يتغيبوا عن محاضرات عنوانها الامام عبد الحميد بن باديس .
بين هدا وداك انفضحت كل ألاعيب أجنحة الصراع الحقيقية وطفت في السطح مصطلحات جديدة كالدولة العميقة وخرج الجيش مدافعا ومواليا لصوت الشعب كخطوة منه لقطع الطريق لمن يحاولون السيطرة على مفاصل الدولة بعد تنحي بوتفليقة وهنا بالتحديد ربما يتجلى المؤشر الخارجي فمند استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي كان توجه الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم البلاد فيما يخص علاقاتهم مع الخارج، ضمن دائرة النفوذ الفرنسي ففرنسا لديها ارتباطات قوية بالدولة العميقة ورجال الاعمال الذين يضمنون استمرار نفوذها السياسي والاقتصادي داخل البلاد، فرنسا تدعم الدولة العميقة تخوفاً من خسارة الجزائر والتي تعني خسارتها لكل أفريقيا، الفاعل الثاني الخفي هي الولايات المتحدة، تدعم تحرك الجيش حفاظاً على مصالحها الأمنية والاقتصادية، المتمثلة في أمن المتوسط والسيطرة على أمن الصحراء ومكافحة الإرهاب، واستقرار أعمال شركاتها العاملة في قطاع النفط.
هدا الوضع يجعلنا نتسأل عن أصل هدا الحراك ويؤكد فرضية صراع بارونات النظام الدي وجه الشعب للمطالبة بالتغيير وضمن له سلمية المطالب ،وصل فيها الشعب الى أعلى درجات الوعي لحقوقه المسلوبة واقتنع بفكرة لا للرجوع الى الوراء والمستقبل أفضل شرط ان لا يبقى في السلطة رمز يذكرهم بما صنع بوتفليقة وحاشيته باقتصاد البلاد المنهوب .
شباب الجزائر قائد حراك اليوم معظمهم جامعيين، أطباء ومهندسون، قضاة واعلاميون فهموا ان دورهم في بلادهم ولا وطن لهم غير الجزائر وكفاهم قوارب الموت التي حصدت مئات من ارواح الشباب المغرور بأضواء اوروبا.
شباب الجزائر فهم اليوم انه هو الوحيد الدي يقرر مصيره ولا ثقة له في حزب ينقل انشغالاته ولا رجعة له في مطلب الحرية والعيش الكريم ،عازم على كسر كل دعوات الجهوية والحركات الانفصالية وقد خاب من فكر ان هدا الشعب نائم وخير ما أختم به المقال, بيت من قصيدة ألقاها أمير الشعراء, أحمد شوقي, في حفلة أقيمت في القاهرة سنة 1926م لمواساة سوريا ولإغاثة منكوبي العدوان الفرنسي على دمشق عندما قصفت
” وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ… بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ””… فسوريا تشبه الجزائر شقيقتان من أم واحدة .
*الملكة ديهيا
قائدة عسكرية وملكة أمازيغية حكمت شمال أفريقيا وكانت تشمل مملكتها الشاسعة الجزائر وتونس وليبيا ، قادت عدّة حملات ومعارك ضد الرومان والاعراب والبيزنطيين في سبيل استعادة الأراضي الأمازيغية التي قد استولوا عليها في أواخر القرن السادس .
نذير صنهاجي – صحافي جزائري