إضاءاتالعناوين الرئيسية

“بان آراب” .. د.محمد عامر المارديني

|| Midline-news || – الوسط …

 

في حديث مع صديق عزيز حول واقع الكوميديا السورية قال لي: لعل هذه الكوميديا -غير التهريجية – كانت الأكثر إبداعاً، وإمتاعاً، والتزاماً من أي كوميديا عربية أخرى. إنها كوميديا عظيمة، تصف الواقع بحقيقته، وتدخل القلوب دونما استئذان، وكذلك فقد انعدم تقريباً تدّخل مقصّ الرقابة عليهاً.

يتابع صديقي حديثه، لقد كانت معظم المسلسلات والعروض المسرحية المنتجة والمعروضة تلفزيونياً ما قبل الأزمة تشْرح وتشرّح الواقع الذي يعيشه المواطن السوري، وحتى المواطن العربي، من المحيط إلى الخليج، بكل التزام ومسؤولية وشفافية، وبشكل فكاهي راقٍ، تشير من خلالها إلى مواقع الخطأ في مجتمعنا بجرأة لا مثيل لها. وهنا لا بد لنا أن نستذكر مثلاً مسلسلات شهيرة لا حصر لها مثل مرايا، ويوميات مدير عام، وبطل من هذا الزمان، وبقعة ضوء، والدغري، وأحلام أبو الهنا، وضيعة ضايعة، والخربة، وغيرها. كذلك نستذكر هنا تلك الأعمال المسرحية الخالدة كمسرح الشوك، وضيعة تشرين، وغربة، وكاسك يا وطن، إضافة إلى أعمال سينمائية رائعة كفيلمي التقرير، والحدود،… إلخ. وماذا نعد بعد؟ إبداعات ما بعدها إبداعات، عروض تلفزيونية ومسرحية وسينمائية عظيمة لامست بموضوعاتها شغاف القلوب، ظهرت علينا في وقت كانت فيه الحلوق جافة أو مجففة، وحتى الكلام بين اثنين كان إما بالهمس، أو ضمن غرف مغلقة.

أجل، لقد كان يسمح في مسلسلات تلفزيوننا التحدث عن أشياء كثيرة، سواء من فوق الحزام أو من تحته، التحدث عن هموم الوطن والمواطن، عن أمور عديدة لا حصر لها. لقد تناولت أعمال فنانينا تسلق المراوغين والمخادعين للوظائف العامة، عن مغامرات المتاجرين بقوت الناس، عن أثرياء الحرب، عن الأساليب الخبيثة للرشوة، عن طرق التهريب الآمنة، وعن، وعن، وعن. مساحات من حرية الفن لا حدود لها، أدهشتنا بمدى اتساعها، لا بل كانت تدهش كل من يتابعنا من الأخوة العرب، حتى أننا قلنا، صديقي وأنا، متحدِّين من يرغب، أن يدلنا على تلفزيون أو مسرح عربي يشبه ولو بواحد من مئة مما كان لدى السوريين بهذا الكم، وبتلك التقنية والحرفية.

وبالفعل، عدت بعد أن انتهى حديثنا إلى الشابكة لأستقصي واقع الكوميديا الملتزمة في تلفزيونات الوطن العربي فرأيت أننا متفوقون بأشواط وأشواط عما لدى العرب مجتمعين في مساحة النقد والانتقاد اللاذع لتلك المظاهر المقيتة التي تجتاح مجتمعنا بشكل خاص، ومجتمعاتنا العربية بشكل عام.

لقد كان الإبداع في “اسكتشات” بقعة ضوء، وفي مرايا، وفي يوميات مدير عام يضحكنا ويبكينا في الوقت نفسه، يجعلنا نتحدث عن تلك المشاهد لأيام طويلة، نحكي عنها في الشارع، في المكتب، في الجامعة، أو حتى على التلفون، وكذلك لا غرابة أننا لا زلنا نحفظ كل كلمة قيلت على مسرح كاسك يا وطن، أو غربة، أو ضيعة تشرين. وقد كان مسموحاً لنا، كمواطنين، أن نتفاعل مع كل مشهد نراه، تفاعلاً بالمشاعر وحسب، تفاعلاً إما بالضحك، أو بالبكاء، أو بالاثنين معاً.

لكن السؤال الأهم هو ماذا فعل أو غيّر كل هذا الكم من الكوميديا العظيمة في مكافحة المظاهر السلبية التي اهتمت بها هذه الكوميديا، أو قامت بالإضاءة عليها، أو تجرأت على نقدها؟ لقد تكاثرت تلك الأعمال الكوميدية بشكل هائل حتى أصبحت ممجوجة، مملة. والسبب هو أنها لم تستطع أن تحرك على الأرض ساكناً، على الأقل في معالجة أبسط هموم المواطنين، لا بل على العكس، لقد استطاعت – من دون قصد – أن تسلّي هؤلاء الأشخاص الذين قصدت بعض “الاسكتشات” إظهار فسادهم، أو التلميح إليهم، فتراهم جالسين يضحكون بكل صفاقة من عديد المشاهد الكوميدية حتى تكاد تتشقق شفاههم، أو تتفسخ أحناكهم، من دون أن يفكّروا، ولو للحظة، أنها ربما تقصدهم، وكأن هذه الأعمال صنعت لإضحاكهم، أو أنتجت لتسليتهم. حتى إن الحال قد وصلت بهم لأن ينتقدوا بأنفسهم تلك الحال الصعبة للمواطن التي تناولها ممثل ما، أو ذلك الجانب من الفساد الذي قام مشهد ما بالإضاءة عليه.

نعم إن كثرة عرض أعمال كهذه لم يعد له أي تأثير على الناس، حيث لم تستطع أن تثير أو تهزَّ كيان أحد ما، سواء من المواطنين، أو حتى من عديد المسؤولين، وبخاصة بعد ما خلّفته تلك الحرب الظالمة من آثار سيئة أصبح من الصعب محوها، وحالات من الفساد باتت مستشرية، لعل الزمن سيطول كثيراً للتخلص منها.

لذلك هي دعوة لإنتاجنا الدرامي والمسرحي أن يكتفي من الآن فصاعداً بالمسلسلات التاريخية، أو بتلك الأعمال التي لها علاقة بمحور العشق والغرام، أو الاكتفاء ببرامج الإمتاع، فلعل الحديث عن دراما كهذه هو أفضل وأجدى وأليق أن يكون حديث الناس اليومي. وكذلك هي دعوة لممثلينا البارعين من ذوي السحنات الجميلة والملابس الأنيقة للمشاركة بأعمال “بان آراب” حصراً، فهي الخلاص لنا ولهم من استهلاك لتلك القضايا البالية التي تخص عامة الناس.

 

*أديب وكاتب.. وزير التعليم العالي السابق- سورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك