“الناجح” دائماً بأعماله الفنية.. موفق مخول: “فشلت” في إقامة اتفاق ودي مع اللون لأنه يعشق الجنون والحرية!
نزين الشوارع بالفن الجميل لنحارب بشاعة الحرب، وننشر ثقافة بصرية
|| Midline-news || – الوسط …
إعداد وحوار: روعة يونس
.
أسس تجربته الفنية مدفوعاً بموهبته المتميزة وإبداعه المرصوف بآجر الثقافة والخبرة والقدرة، ومضى بإنجازاته الإبداعية إلى الصفوف الأولى في المشهد الثقافي الفني. ليس فقط لأنه قدم على مدار سنوات، العديد من المعارض التشكيلية الفردية والجماعية. وليس لأنه نجم “جينيس” الذي دخلت جداريته الرائعة تلك الموسوعة العالمية. بل بفضل الهدف منها ومن جملة الأعمال الفنية التزينية التي نشرها في دمشق حباً بالوطن والفن والجمال.
إنه الفنان الكبير موفق مخول الذي أشاد خلال سنوات الحرب جداريات فنية، موادها الخام من مواد بيئية وتراثية شعبية ومستلزمات يومية.. ونشرها في عدة أحياء دمشقية، بهدف إشاعة حالة فنية وجمالية من الفرح اللوني والابتكارات المعاصرة، لتهذيب عين المتلقي وسط المشاهد المزعجة التي تراها أعينهم بفعل الحرب، وليظل الأمل مقترناً بالطموح للإنجاز رغم كل الظروف.
“دهشة بصرية”
بعد أن كان موفق مخول يحاور الطبيعة في أحلامه الطفولية، شبّ وصارت الطبيعة تحاوره، لتعكس أعماله الفنية التفاؤل، إنما هل مهمة الفنان تحقيق دهشة بصرية للمتلقي أم بعث الأمل فيه؟
- قد يكون هذا صحيح. الطبيعة تطلب من الفنان أن يمدّ يده إلى تفاصيلها ليزين بها فنه وكل ما حوله ويدهشهم.
لكن الفنان عندما يرسم يبحث عن ذاته ويبحث عن أمل في حياته.. فهل يستطيع أن يوصل هذا الأمل للمتلقي؟ بتقديري هذه ليست مهمته! فالمطلوب منه أن يكون صادقاً مع روحه وأن يشكل دهشة بصرية عند المتفرج.
“صخب وضوء”
ثمة صخب لوني يسيطر في لوحاتك. هل هو انعكاس لدواخل الفنان؟ أم أنك اتخذت من الألوان الحية أبجدية لخطابك التشكيلي؟
- هل تصدقين أنني اخاف من اللون؟! لكنني أحبه، وحاولت أن أصنع مع اللون اتفاق ودي، لكنه رفض! لأنه يحب الجنون ولا يحب القوانين ويعشق الحرية.
لا أناقض سؤالي السابق حين أشير إلى سطوع يتجلى أيضاً في لوحتك.. أتحدث عن سلطة الضوء؟
- أحب أن يخلق فني أو لوحتي حواراً مع المتلقي. لهذا أحاول في لوحاتي أن أستخدم الضوء لأنني أعشق الظلام مع النور. هي ثنائية فيها سحر بصري وتقيم علاقة مع الذاكرة البصرية.
“الفردي والجماعي”
ألا ترى معي أن انشغالاتك الكثيرة والكبيرة في آفاق فنية عامة، أبعدتك عن متابعة تجربتك التشكيلية الخاصة، فآخر معرض لك كان في صالة “الف نون” قبل عامين؟
- نعم.. لقد ابتعدت قليلاً عن لوحتي الخاصة وأخذني فن الشارع. والسبب هو الفقر البصري الموجود في شوارعنا.. لكن لوحتي كانت تكبر في روحي خلال هذه الفترة. وبالفعل أقمت معرض في صالة “الف نون” بعد انقطاع. لكن كان المعرض بمثابة همسة جميلة لروحي.. وأغلب اللوحات كانت تجريد لأنني كنت في تلك الفترة أود أن أصرخ أنا وألواني معاً، نتيجة الحرب والأزمة التي نعيشها.
حتى أنك مقاطع للمعارض الجماعية، ولا تشارك بها !
- بصراحة، أنا لا أحب المعارض الجماعية. وأعرف أنك لن تفوّتي الفرصة وستسألينني لماذا؟ (يضحك) لذا أجيبك من فوري: لا أحب الاشتراك في المعارض الجماعية، لأنني لا أحب المقارنات والتجاذبات المجانية. أحب المعارض الفردية، لأنها الأقدر على عكس تجربة الفنان، وفيها خصوصية.
“إيقاع الحياة”
ترى أن مكان الفن التشكيلي يجب أن يكون بين الناس في الحدائق والشوارع وجدران المدارس لأن للفن وظيفة ورسالة موجهة لعموم الناس. لذا انبثق مشروعك “ايقاع الحياة”، فماذا تخبرنا عن حيثياته؟ وهل حقاً استخدمت مخلفات الحرب على سورية في أحدث مشاريعك؟
- لقد خرجت إلى الشارع أنا وفريق “إيقاع الحياة” حتى نصنع ابتسامه وفرح للناس، عبر اللوحات الجدارية، خلال الأزمة التي يمر بها الوطن. ومن هنا أستطيع أن اقول: نعم كلامك صحيح، لقد خرج الفن من صالة العرض إلى الشوارع والحدائق واصبح ملك المجتمع.
وقد استخدمنا نفايات الحرب وكذلك البيئة في هذه اللوحات كي تصبح هذه اللوحات والأعمال ذاكرة بصرية في شوارعنا.
“ذكريات جينيس”
بعد مجموعة من الجداريات الرائعة التي باتت قبلة الأنظار، تم تسجيل إحدى جدارياتك في موسوعة “جينيس”. من الجميل استعادة ذكريات ذلك الحدث. أخبرنا لو سمحت؟
- قمت خلال الحرب بتصميم وتنفيذ 7 جداريات، تغطي مبنى مدرسة أو شارع أو متحف. لكن الجدارية الكبرى هي التي دخلت موسوعة “جينيس” بوصفها أضخم جدارية في العالم، إذ تبلغ مساحتها حوالى (900 متر مربع) بارتفاع نحو 3 أمتار، تمتد على طول شارع إحدى المدارس في منتصف “اوتوستراد المزة” تم تنفيذها على عدة مراحل: رسم تشكيلي ثم حفر ونحت ثم تزيين ببقايا مواد بيئية تمّت إعادة تدويرها كبقايا القوارير الزجاجية والمرايا والأطباق والأخشاب وقطع السيارات ومفاتيح الأبواب.. بحيث استغرق إنجاز مراحلها 7 شهور من العمل الدقيق في ظل ظروف الحرب بما فيها من قذائف وانفجارات وحرائق…”.
“تزيين الشوارع والجسور”
العالم كله بإعلامه ووسائل التواصل الاجتماعي أشار إلى مشاريعك وجهودك، سواء في تزيين المدارس، وتجميل الطرقات والجسور (مؤخراً- تزيين جسر الرئيس) والكثير من المشاريع الفنية الثقافية “التربوية”. ضعنا في أجوائك مع فريقك النشط وكيفية محاربتك بشاعة الحرب؛ بالفن؟
- القيام بمثل هذه الأعمال الفنية الصعبة استلزمت من الفريق وقتاً وجهداً والتزاماً، ويواجه أخطار الإصابة. لكنا كنا نقوم بذلك لأن الفريق بأكمله عاشق للجمال، يغامر لأجل أن يؤدي رسالته ويترك قناعاته على الجدران، محاولاين بذلك محاربة بشاعة الحرب بالفن الجميل، وخلق حالة من الاختلاف الإيجابي تؤكد للعالم بأن الشعب السوري جميل وحضاري.
“الفنان المثقف”
الحوار مع مثقف ومبدع مثلك، لا يُفترض أن يمر دون أن تخبرنا ما الذي ينقص الحركة الثقافية الفنية كي تكون على ما يرام؟
- نحن نفتقر إلى الحراك البصري التشكيلي في مجتمعاتنا عموماً.. لأننا لازلنا ندور في فلك قراءة اللوحة المشهورة، ولم نعتد بعد على اللوحة التشكيلية المعاصرة. فاللوحات إما تكون في دور الأغنياء أو المعارض! وهذا سبب معاناتنا فيما يتعلق بالحراك الجمالي.
هل لذلك لجأت إلى الجدرايات الفنية؟
- نعم، فالجداريات والأعمال الفنية، وإن كانت في مكانها ثابتة، لكنها تذهب إلى الناس المشاة على قدميها أو المارّة في سياراتها، وتظل موجهة للناس في كل مكان، وللجيل الجديد تحديداً لنضع بين يديه ثقافة بصرية مختلفة وجميلة في آن معاً.