القنبلة النووية الإيرانية..بين التحريم والضرورة .. بقلم وسام داؤد
|| Midline-news || – الوسط …
منذ أن بدأت إيران في عهد الشاه مشروعها النووي ,بمساعدة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة, تحت شعار ” الذرة من أجل السلام ” في خمسينيات القرن الماضي ,بقي هذا الملف بعيدا عن الجدل والنقاش وأخذ يتطور تحت إشراف تلك الدول على اعتبار أن إيران كانت تحت العباءة الأمريكية الغربية الإسرائيلية ,بالرغم من أنه كان يتضمن برامج لإنتاج أسلحة نووية .
لكن بعد الثورة الإسلامية بقيادة الخميني صدرت فتوى بــ”تحريم إنتاج هذه الأسلحة وأوقفت بموجبها جميع البرامج النووية ووضع هذا الملف جانبا” ,غير أنه ومع مرور بعض الوقت وفي ظل الحرب العراقية الإيرانية ,تم تنشيط بعض الأبحاث السلمية لاستخدامات مدنية في مراحل لاحقة . في العام 2003 وقبل توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة 5+ 1 وإيران صدرت فتوى ثانية من قائد الثورة ,علي الخامنئي “تحظر استخدام سلاح الدمار الشامل وصناعة الأسلحة النووية من الناحية القانونية والأخلاقية والدينية والإسلامية” و كان لهذا الموقف دور كبير في تهدئة مخاوف بعض الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة ومهّد الأرضيّة لإطلاق مفاوضات مارثونية توّجت بالاتفاق الذي شغل الناس وملأ الدنيا.
هذا الاتفاق لم يعمّر طويلا ولم يكُ قد بلغ عامه الثاني عندما أطلق عليه الرئيس الأمريكي الحالي والجديد آنذاك, رصاصة قاتلة بقراره الإنسحاب منه وإطلاق حرب عقوبات شرسة على إيران كادت أن تتحول خلال الأسابيع الماضية إلى حرب عسكرية ,بعد تفجير سفن وناقلات نفط في مياه الخليج ,اتهمت إيران بالوقوف خلفها وإسقاط طائرة التجسس الأمريكية بصاروخ بعد دخولها المجال الجوي الإيراني . إيران الحريصة على هذا الاتفاق بقيت متمسكة به وحاولت مع الدول الأوروبية التوصل إلى آلية للتعاون وتجاوز العقوبات الأمريكية لكن الخوف الأوروبي والخشية من مواجهة الولايات المتحدة وعقوباتها فرمل محاولات إبقاء شريان الحياة لهذا الاتفاق مفتوحا ,الأمر الذي دفع بإيران إلى اتخاذ خطوات من جانبها ,تقلّص بموجبها بعض الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي ,على أن تستكمل بخطوات أخرى في حال انتهت مهلة الـ 60 يوما التي حددتها للدول الأوروبية في السابع من الشهر الحالي . بين فتوى تحريم إنتاج الأسلحة النووية والضغوط الأمريكية المتواصلة والرفض الأوروبي ويمكن القول العالمي ,كسر القرار الأمريكي بمحاصرة إيران وشعبها لتجويعها وتركيعها, ما الذي يمكن أن تفعله طهران في المرحلة القادمة ؟ هل تستلم وتقبل بما يمليه عليها ترامب ؟ هذا خيار مستبعد تماما أو قد يكون ملغى كونه يمثل انتحارا لإيران ودورها وسياساتها والعقيدة التي قامت عليها ثورتها, والنهج الإيراني المتبع منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي يشير إلى ذلك .
إيران تمتلك كل أدوات المواجهة رغم فارق القوة مع الولايات المتحدة ,أقوى دولة في العالم, لكنها قادرة على إلحاق الضرر والأذى الكبير بالولايات المتحدة ومصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة ولذلك هي اليوم قادرة على الصمود والمقاومة في وجه الضغوط الكبيرة والعقوبات القاسية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها . ولكن السؤال, إلى متى ستبقى طهران قادرة على الاستمرار في موقفها ,خصوصا إذا تراجعت الدول الأوروبية عن مواقفها وذهبت باتجاه واشنطن ضد طهران بحجة إخلال طهران ببنود الاتفاق النووي بعد انتهاء مهلة الستين يوما؟ وكيف سيكون شكل المواجهة ؟ وما الذي يمكن لإيران أن تفعله إذا ما حصل هذا السيناريو ؟ خاصة وأن كل المعطيات تشير إلى ذلك بعد فشل مجموعة إنقاذ الاتفاق النووي “4+1 ” في اجتماعها الأخير في فيينا بالتوصل إلى تفاهمات تريح إيران وتجعل الاتفاق النووي قابلا للحياة, كما أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تبدي تراجعا عن نهجها العدائي تجاه إيران خصوصا وأنها ستدخل السباق الرئاسي وترامب مرشح لها وللفوز فيها,أي أن واقع الحال بين إيران والولايات المتحدة قد يستمر ليس لنهاية ولاية ترامب الحالية وإنما لولاية قادمة إذا صحت التوقعات بفوزه في الانتخابات المقبلة ,كونه فعل كل ما طلب اللوبي اليهودي و”إسرائيل” منه فعله, سواء باتجاه إيران أو باتجاه القدس المحتلة والجولان السوري المحتل .
إيران في هذه الحالة ستكون أمام مرحلة جديدة وضغوط أكبر ولابد من مواجهتها ويمكن أن تكون “القنبلة النووية” أحد خيارات المواجهة القادمة . فالضرورات تبيح المحظورات, أي يمكن لإيران التراجع عن الفتاوى السابقة بتحريم إنتاج السلاح النووي لحماية البلاد والعباد من الطاغوت الأمريكي ولتستخدم إيران هذه القنبلة كورقة قوة في المفاوضات لإنقاذ شعبها وليس كقنبلة لقتل الناس والأبرياء. تقنيا قد لا تحتاج إيران للكثير من الجهد والوقت لصناعة السلاح النووي فهي تمتلك كل المقومات ولكن قد تحتاج وقتا أطولا لاتخاذ مثل هذا القرار والتراجع عن فتوى تحريم إنتاجه أو استخدامه, وقد تكون الظروف التي مرّت وتمر وستمر على إيران تستوجب قيامها بعمل استثنائي, وقد تكون “القنبلة النووية” هي من ستصنع الفارق السياسي والاقتصادي في التعامل مع إيران والمنطقة, وهذه كوريا الشمالية مثال يحتذى ,التي اضطرت ترامب نفسه للتقدم نحوها والبدء بمفاوضات صعبة مع قيادتها خوفا على مصالح حلفاء بلاده جنوب شرق آسيا .
وسام داؤد – صحيفة العربية العراقية