الضاحكون في الأرض! .. أحمد علي هلال
|| Midline-news || – الوسط …
ليست محاكاة لجملة بعينها قالها ذات يوم فرانز فانون ذات عنوان باهر ومؤسي «المعذبون في الأرض»، بل هي استدعاء للضحك في أزمنة لا تشبه حتى ذاتها وبالتواتر بوسعنا أن نقول «أنا أضحك إذاً أنا موجود»، لكن الضحك سيصبح نادراً ولن نشي هنا «بموت الضحك»، لأنه سيظل حيلة الناس لتنال من بؤس أرواحها وتدفعه إلى التشظي ما وسعها ذلك.
ومنه كان الضحك السياسي والضحك الأخلاقي والضحك الاجتماعي وهكذا.. جاء سياق ضاحك جعل الإنسان يستعيد بديهيته كلما عصفت به الحياة، لكن أن يضحك من قلبه ذلك شأن آخر، وعلى لسان إحدى شخصيات الأديب المصري الراحل محمود تيمور حينما سُئل لماذا شفاهه غليظة؟ فقال: حتى تستوفي الضحك من الأقدار، لا أعرف لماذا أعادني كتاب العصامي اللبناني محمد قره علي صاحب كتاب «الضاحكون» وغيره وصولاً إلى سيرته التي طُبعت بعد وفاته، إلى التفكير بالضحك ربما طريقة في مواجهة في مواجهة أقداره العجيبة التي جعلته يتنقل في غير عمل أسود قبل أن يستقر به الحال بائع صحف يقرأ عناوينها ويختزن مفارقاتها، لتُثرى ذاكرته بالدهشة التي صارت محكيات كتابته –الضاحكون- ليذهب إلى التراث العربي ويستنطقه ويستنطق مضاحكاته، فعميد باعة الصحف أضاف لمدونة الضحك نوادر قراقوش والأعمش والأصمعي وأشعب والجاحظ، لا ليضحكنا بقدر ما كان يرسم طريقة للضحك تعين القارئ على التفكير وهو يبتسم بامتلاء معرفي، فضلاً عما يقال في علم النفس بالتغذية الراجعة، أي أننا نضحك من نادرة بعينها لنحاكي بها واقعنا، إذن ليست تلك محكيات أسيرة داخل تاريخ بعينه، بقدر ما تنفتح على واقعنا لتزيد في تأويله، وتضاعف في تفسيره ليصبح السؤال اليوم من يجرؤ على الضحك؟ بعيداً عما طالب به ذات يوم الفنان المصري محمد صبحي في إحدى مسرحياته «امنعوا الضحك»، بمعنى اضحكوا ما بوسعكم حتى تصحو، لكن الواقع لن يتغير هكذا يقول المتشائمون ويردف متفائلون لعلنا نتغير نحن، وتصيب الواقع عدوى الضحك ليبدو ضاحكاً، راقصاً كضوء شمعة في ليلة ظلماء، ودافئاً كجملة شعرية في مساءات البرد القارس.
فهل يضحك العربي حقاً تُرى ما الذي يضحكه حتى يذهب في استرخاء شبه تام أمام التلفاز ليبحث عن برامج وأعمال درامية معادةً غير مرة، ليضحك أخيراً وكأنه يقول لأقداره لن تستطيعِ أن تنالِ مني، ولعل الضاحكون في الأرض ليسوا مساكين مصطفى صادق الرافعي ولا بؤساء فيكتور هيغو، ربما كانوا كل أولئك الذين يتندرون بالضحك هذه الأيام كنوع من المقاومة الخفية للأيام العصيبة، بل يجتهدون بنكات يجري سردها مراراً وبطرق مختلفة وربما يضيفون لها شيئاً من توابل المعرفة حتى تُقنع من يتحدث إليهم.
كم قيل لي إن نكاتك مأساوية… فضحكت منتبهاً إلى طريقة الإخراج ومشاغبات الخيال/ الخيال الذي أصبح هذه الأيام واقعاً بذاته مع إمحاء الحدود بين الليل والنهار وبين اليقظة والنوم لنذهب إلى غيبوبات واعية، فثمة من يستظهر هذه الغيبوبة بالشعر وآخرون يغذون الخطا بكتابة الرواية، لكنها الحياة بوصفها الرواية الكبرى من يكتبها ومن يستطيع اللحاق بفصولها المتسارعة على مسرح اختلطت فيه الكوميديا بالتراجيديا…
فهل أصبح الضحك عادة فحسب أم ضرورة معرفية وأخلاقية فضلاً عن فوائدها الصحية التي يصدع رؤسنا بها الأطباء، وعلماء النفس والاجتماع وحتى البيئة إن جاز التعبير، سأستعين إذن بضحكة صافية من القلب حتى يستنى لي فهم الدوافع لا الوقوف عند النتائج، لأنني وكما يقول إنسان هذا العصر إذ استطعت أن أضحك فقد هزمت سبعين عدواً، لكن الأعداء اللامرئيين كيف سيهزمون؟!