“سوق الكسالى” بعد الحرب.. مزاحمات على العمل ومضاربات في أجور اليد العاملة
تجهيز الخضراوات تحول من خدمة بريئة غير مأجورة إلى مهنة جريئة عالية التكلفة
…الوسط – midline-new
روعة يونس
.
.
“قبل وبعد الحرب”
في بادئ الأمر قد يظن القارئ أن النساء من البيئة الثرية والميسورة وجدت في السوق ضالتها، لكن أبوسعيد (صاحب محل خضراوات في السوق) أخبرنا قائلاً:
كانت النسوة من الطبقة الارستقراطية أو الغنية يلجئن إلى مدبرات منازلهن أو الطهاة لتحضير خضراوات الغداء. لذا كان السوق في بداياته ملاذ النسوة لعاملات كالطبيبات والموظفات والمعلمات اللواتي لا تملكن الوقت الكافي لتحضير وجبات الطعام لعائلاتهن، فكن يطلبن منا تجهيزها بعد أن لاحظن وجود بعض الخضراوات الجاهزة، التي كانت -بصراحة- زوجاتنا وأخواتنا ينجزنها لتسهيل أمور الزبونات. سرعان ما نقل أصحاب المحال المجاورة الفكرة، لتنتشر وتصبح مهنة تعتاش منها الكثير من سيدات العائلات المستورة. يضيف أبوسعيد: بعد الحرب اختلفت الحال! وأيضاً المهنة باتت مكلفة جداً.
استلم الحديث عنه محمد السيد (بائع في السوق)، وقال:
خلال الحرب، بات تجهيز الخضراوات من حفر وقطف وتقميع وفرم….إلخ مهنة تعتاش منها العائلات المنكوبة التي لا تحمل النساء فيها شهادات تؤهلهن للعمل في المؤسسات الرسمية أو الخاصة. تحديداً العائلات التي فقدت في الحرب الأزواج والآباء الذين كانت رواتبهم ومداخيلهم العائل للأسرة. وبات أصحاب المحال بفضلون التعامل معهن كونهن الأكثر حاجة للعمل والمال لتغطية مصاريفهن”.
.
.
“لئلا يستمر الظلم”
من جهتها تلقفت الشابة فوزية (متعهدة عمل) طرف الحديث، وكشف سرّاً، لم يفضّل (المعلم) صاحب المحل، أن تتطرق إليه، إذ قالت:
يفضلون التعامل معنا، ليس رأفة بأوضاعنا كوننا أيتام أو أرامل! نحن ننجز عملاً كثيراً مقابل عائد مالي بسيط، فالمبلغ الذي كانت تتقاضاه النسوة قبل الحرب، هو نفسه الذي نتقاضاه الآن! هل يعقل هذا؟! الأسوأ من ذلك أن هناك بيننا نساء يزاحمننا على العمل ويعرضن على أصحاب المحال أجوراً أقل “دود الخل منه وفيه يا مدام” وذلك كي يأخذن الخضراوات ويجهزنها ويستولين على عمل باقي العاملات! لهذا صرت متعهدة بأمر من الأهالي كوني “أفك الحرف” أقرأ وأكتب، كي أقوم بمهمة الاستلام والتسليم. وقاطعنا باقي النسوة اللواتي يضاربن علينا وعلى الأرامل المسكينات، ومنعناهن من دخول السوق، وصرت أنا المسؤولة عن تسليمهن الخضراوات والعائد المالي لئلا يستمر الظلم وتستفحل المضاربات”!
أما السيدة رغداء أم ياسر (زبونة في السوق) فقالت:
“البضائع هنا نظيفة ومرتبة، ونشتريها باستمرار لأننا نثق بنظافتها وحسن إنجازها، وكذلك سرعة تسليمها لنا. لكن إن رغبتِ بشراء 5 كيلو كوسا، ليتم حفرهم خلال نصف ساعة أمام عينيك، وبسعر أقل من المحال، عليكِ الذهاب مقابل الجامع، حيث تفترش بعض النسوة الأرض بكل جرأة ودون شعور بالخجل من المارة؛ وتحفرن الكوسا وتقمعن البامية. لكن المشكلة أن “البلدية” تطاردهن. كما أنهن يرفضن المجيء إلى البيوت لتجهيز الخضراوات داخلها. وثمة نسوة يسكن في “حوش” بمنطقة الصالحية قريب من السوق يقمن بهذا العمل لصالح أصحاب المحال في السوق”.
.
.
(أرقام في السوق)
1-يبلغ عدد محال الخضراوات في السوق 9 محال.
2-يمكن أن يصل دخل العاملة الواحدة يومياً نحو 10 آلاف ليرة سورية.
3-هناك نحو 100 سيدة تعمل بشكل يومي في تجهيز مئات الكيلو غرامات من الخضراوات ورب البندورة والفليفلة.
4-يوجد أكثر من 20 عائلة تعمل يومياً فقط في تنظيف الحشائش الخضراء.
5-هناك فقط 10 رجال (سائقون) يعملون في هذه المهنة، ويقتصر عملهم على استلام وتسليم الخضراوات والرواتب.
6- تندرج العاملات ضمن الفئات العمرية 15 إلى 60 سنة. ومعظمهن (أرامل وأيتام).
7-تتعامل مع السوق نحو 150 عاملة، الغالبية من درعا وريف دمشق وريف المنطقة الشمالية الشرقية.
8-تختلف قيمة اليد العاملة بين تجهيز الحشائش أو الخضراوات. لكنها تتراوح من 100 إلى 500 ليرة عن كل صنف.
9-ثمن تنظيف وفرم (البقدونس والنعناع والملوخية والسبانخ والسلق) يبلغ 200 ليرة للكيلو غرام الواحد.
10-ثمن حفر الكوسا ومثله الباذنجان والقرع. وكذلك تقميع البامية. ولف ورق العنب. وتنظيف البازيلاء والفول والثوم والأرضي شوكي؛ يبلغ 500 ليرة للكيلو غرام الواحد.