“الإسوارة” .. مراد داغوم
|| Midline-news || – الوسط …
سنوات بداية الستينات كانت المرحلة الرومانسية للدراما الرحبانية، حيث قدموا أعمالاً تتصف بتغليب العواطف البشرية على ما عداها من أمور حياة الإنسان الكثيرة والمختلفة. فكانت مسرحيات مثل: (جسر القمر 1962) و(الليل والقنديل 1963) و(حكاية الإسوارة 1962)، وهذه الأخيرة كانت فيلماً تلفزيونياً وليست عملاً مسرحياً. بعد تلك المرحلة اتجه المسرح الرحباني نحو بناء الأعمال حول فكرة سياسية حتى وإن تضمن العمل نواحيَ أخرى، وكانت البداية مع (بياع الخواتم 1964).
قلت كل قرى العالم، وأعنى في تلك الحقبة، حيث يمكن –مثلاً- لقارئ روايات “أجاثا كريستي” التي بطلتها “الآنسة ماربل” والتي تدور أحداثها دوماً في الريف الإنكليزي، أن يلاحظ حرص “كريستي” على عرض واقع هذا الريف الواسع جداً إظهار أن هواية سكانه المفضَّلة هي مراقبة بعضهم البعض واختراع الشائعات التي بالتأكيد لا أساس لها من الواقع.
سخر الرحابنة من هذه الهواية بأسلوب بالغ الرقي، وتعاملوا معها كجريمة تستوجب البتر الناعم، عندما عرف سكان القرية أن إسوارة عليا التي شغلتهم وأجهدت تفكيرهم بتخيّل أحداث وظنون عن مصدرها، ليست سوى إسوارة عادية، وليست ذهباً، قدمتها عجوز نبيلة كهدية للصبية التي ساعدتها بحمل سلتها، وحملت لها اللوز والزبيب، وأسعدت ليالي وحدتها بصوتها الساحر وغنائها الشجي. لطمة وصدمة حصل عليها “سبع” عندما أظهرت العجوز أنها تراه مع صحبه يتلصصون من النافذة فتدعوهم للدخول بكل كرم ومحبة.
من المجحف بحق هذا العمل الرائع أن أسرد تفاصيل أحداثه بالغة الجمال في سطور. ومن حسن الحظ أن العمل متوفر على موقع “يوتيوب”، لذلك أوجه دعوة بإلحاح عظيم أن تخصصوا 50 دقيقة من وقتكم (وهي مدة العمل) للاستمتاع بتلك المعالجة الراقية لهذه الجريمة الاجتماعية. احفظوها، وعلموا أولادكم أن يعلموها لأولادهم، لنصل بمجتمعنا بعد جيل -على الأقل- إلى درجة سامية من التوافق والتقدير بين أفراد المجتمع واحترام الذات الإنسانية عبر عمل صغير جاد به سلف صالح منذ ستين عاماً.