إمــام الـتــغــيـيـر … إيــقـاظ الــفـكـرة الـنــائــمـة … بـقـلـم مـصـطـفـى الـمـقـداد ..
|| Midline-news || – الوسط – خاص ..
لا يشبه الحديث عن سماحة الإمام الخميني ( قُـدِّسَ سـرُّه ) الحديث عن غيره من العظماء في العصر الحديث ، فقد كان حالة مستجدة في القدرة على الإطاحة بنظام الشاه وديكتاتوريته المستبدة ليمنح الشعب الإيراني فرصة الانتقال لنظام ديمقراطي بصيغة خاصة تختلف عن التجارب الديمقراطية في العالم الحر ، بصورة لا بستطيع أحد أن يصفها خلاف ذلك .
لقد كان قائد الثورة ولم يتحول إلى رئيسها مدشناً حالة غير مسبوقة في التاريخ وفاتحاً الباب أمام تحولات داخلية وإقليمية ودولية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، فهو العالم الفقيه القادم من روح العقيدة الإسلامية والمتمتع بالخلفية العلمية والمؤمن بأن درب العلم والمعرفة وحده الطريق للإرتقاء بالدولة والمجتمع والاضطلاع بدور ريادي في الإقليم والعالم على أساس الإرث التاريخي بما يتضمنه من علاقات تعاون وتفاهم وتأثير متبادل ، فتغير شكل الدولة ودورها خلال سنوات معدودة ، فما السبب الذي أعطى إيران ذلك الدور المؤثر ، وما السبب في معاداتها في المحيط والعالم الغربي ؟.
تمثلت الخطوة الأولى في الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها سماحة الإمام قدس سره في طرد الصهاينة وإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران ، وتحويلها إلى سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية إعلاناً عن أعلى وأهم وأبرز الأهداف المبدئية للثورة المباركة ، الأمر الذي قد يفسر بسهولة المواقف الغربية والأميركية للوقوف ضد إيران والبدء بصياغة مشاريع معادية للدولة الجديدة ، ففلسطين الهدف ، والقدس البوصلة في التحرك السياسي والتنموي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والعسكري لدولة الثورة ، ودعم القوى التي تسير في ذلك النهج كان النهج الذي اختطته الحكومات والمؤسسات المتعاقبة في الجمهورية الإسلامية ، فكانت الحروب والمؤامرات رداً غربياً سريعاً بقيادة الشيطان الأكبر ، لتسقط جميعها وتضطر الإدارات الأميركية للدخول في مفاوضات صعبة وطويلة تدخل خلالها كثيرون لتفضي إلى نتائج كانت تصب في صالح إيران بوصف جميع المراقبين في العالم ، جعلت الحكومات الغربية والأوروبية تتسابق للتعاون والاستثمار وخطب ود عدو الأمس القريب وكأنها كانت بانتظار الإفلات من الطوق الأميركي والسوط السياسي المسلط على حكومات أوروبا جميعها .
ويبقى السؤال الأكبر ماثلاً وحاضراً بعد أربعة عقود من الثورة التي انتصرت لحظة هبوط طائرة التحدي قادمة من باريس إلى طهران معلنة عن قيام دولة جديدة بمفاهيم وسلوكيات ومواقف ستجعل العالم يقف حائراً أمام السر الكامن خلف ذلك التحدي الكبير ، فما الذي زرعه سماحة الإمام الثائر في الشعب الإيراني بداية ، ليتجاوز حدود إيران إلى العالم الإسلامي والعالم كله بما فيه الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا ؟.
أعتقد أن العودة إلى الجوهر العقائدي والأصل النظيف والاجتهاد المنطقي والموضوعي كانت العوامل التي حملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى مواقع الفعل والتأثير الدوليين ، والارتقاء بالمواطن الإيراني إلى أعلى درجات الالتزام في العطاء والجد والعمل الخلاق .
ومع بدء عمليات استئصال أشكال الفساد والارتباط الخارجي ، بدأت بالتوازي مرحلة بناء الإنسان المؤمن بالله حق الإيمان ، والملتزم بتعاليم الإسلام الحقة ، وهو يجد النموذج الصادق في السلوك اليومي حالة معاشة لا تعمل إلا ما تقول وتعتقد ، متمثلة قوله تعالى ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ، فجاء السلوك منسجماً مع الدعوة ، وكيف لا وفي الأثر الصالح سلوك كبار الصحابة وآل البيت الكرام منهجاً للمعرفة والصبر والمواجهة والاستشهاد ، وقد جاء من ينفض عنها غبار سنوات الضعف والهوان والتبعية ليدخل عصر قيادة المجتمع الإسلامي بعيداً عن الإساءة لمعتقدات الآخرين وطقوسهم وأساليب عيشهم .
وهنا عامل القوة الأكبر والدافع العظيم والقيمة المقدسة التي يمثلها الإمام محمد بن الحسن صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف ، فهو الأمل المرتجى لخلاص البشرية من شرور المعتدين والمتغطرسين والطغاة ، وهو الموعود بملء الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً ، فهل يبقى كامناً في مغارته المقدسة بانتظار الفرج الإلهي ، أم نحاول السعي لتمهيد خروجه الشريف تحقيقاً لوعد الله سبحانه وأحاديث الرسول الأكرم وآل بيته الطيبين الطاهرين ؟.
تلك هي الحقيقة الأعظم في فهم سبب التحول القوي والمتسارع الذي عاشته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ظل قيادة سماحة الإمام آية الله الخميني قدس سره ، فالإيمان بالله يجب أن يتمثل حقيقة معاشة تعكس الالتزام بكتابه وسنة نبيه وسلوك آل بيته ، وإلا فإن القضية لا تتجاوز مجرد ترديد كلمات الإسلام دون الدخول في عمق الرسالة المحمدية الشريفة ، فهي لا ترتضي للمسلمين إلا العزة والقوة والتقدم وتنكر عليهم الضعف والهوان والتبعية مع ما يرافقها من انحلال أخلاقي وسلوكي يخرجها خارج دائرة المهمة الموكلة للإنسان يوم استخلفه الله سبحانه وأرسل النبيين والرسل وصولاً إلى بعثة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فكان التكليف الموصوف لحملة تلك الرسالة المقدسة .
وهكذا بدأت المهمة الكبرى لاستعادة الدور المفتقد لقرون عديدة عبر التعليم والتركيز على الصناعة والزراعة والخدمات والتوسع في البنى الأساسية والبحث عن عوامل التقدم والتطور أينما وجدت باعتبار أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها ، كل ذلك بالتوازي مع بناء قوات عسكرية مسلحة قادرة على حماية المنجزات التي جوبهت بحرب ظالمة من الصهيونية أولاً والإمبريالية الأميركية تالياً استخدمت الرجعية الخليجية ومشيخات الرمال حربة متقدمة ومجاورة منذ لحظة انتصار الثورة الإسلامية وهي ما زالت على عدوانها حتى اليوم الحاضر ، ذلك بأن أفكار وأعمال الثورة كشفت عورات وأكاذيب من استغلوا الإسلام فأساؤوا للمقدسات واستخدموها ذرائع للهيمنة على العالم ، فيما الحقيقة كانت تنصب في خدمة اليهودية والصهيونية وتذهب في دعم الوجود الصهيوني الظالم في فلسطين المحتلة .
وتبقى الشروحات قاصرة وتحتاج وقتاً طويلاً للبحث التفصيلي فيما قدمه سماحة الإمام الخميني قدس سره للبشرية جمعاء لتخليصها من الظلم والاضطهاد تظهيراً لقيمة ومكانة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف كمخلص للعالم كله بمسلميه وسواهم باعتبارهم نظراء في الخلق أو أخوة في الإنسانية ، فكان آل البيت الأطهار مفتاح الحل للخلاص من الشرور التي تتهدد البشرية واتباع سلوكهم يمثل طريق الخلاص الإنساني .