أرخبيل شاغوس جزر وادعة في المحيط الهندي :سكانه يتمسّكون بحق العودة
|| Midline-news || – الوسط …
أرخبيل شاغوس..عبارة عن جزر وادعة تعيش في هدوء في حضن المحيط الهندي، بالقرب من جزيرة موريشيوس الإفريقية، إلا ان ذلك الهدوء فارق المكان منذ مايقارب 48 عاما، ولم يعد اليه حتى الآن، عندما لجأت الامبراطورية البريطانية قسرا إلى اخلاء هذه الجزر من سكانها الأصليين لتفسح المجال أمام اقامة قاعدة أميركية، ولاتزال محنة السكان المهجرين تراوح مكانها في أروقة المحاكم البريطانية والأوروبية، على الرغم من مرور كل ذلك الوقت، إنها مأساة إنسانية لطخت سمعة ومجد تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس.
وفي كرولي المدينة المغمورة التي تقع في ويست سوسيكس ببريطانيا، يعيش فيها بضع مئات من سكان تلك الجزر، جاءوا إلى هنا بوصفهم رعايا دولة مستعمرة، ظلوا يعيشون في بؤس وحرمان قرابة الـ48 عاما، منفيين عن وطنهم الأصلي
-أصل الحكاية:
بدأت القصة في منتصف ستينات القرن الماضي، عندما كانت الولايات المتحدة الأميركية تخشى توسع النفوذ السوفييتي، لهذا سعت في البحث عن قاعدة لها في المحيط الهندي، وكانت ترغب في الحصول على منطقة ما خالية من سكانها الأصليين، كي لا يتدخلوا في العمليات التي تديرها القاعدة الأميركية، وكانت تعلم بالطبع ان جزيرة موريشيوس، والمناطق التابعة لها، تقع ضمن مناطق الإمبراطورية البريطانية.
ففي عام ،1964 نالت موريشيوس استقلالها، بعد ان اشترطت بريطانيا استثناء أرخبيل شاغوس من صفقة الاستقلال لأنه، كما ادعت، يعتبر ذا «أهمية جغرافية» لبريطانيا.
وفي العام نفسه انعقد مؤتمر بريطاني ـ أميركي سري في لندن، ووفقا لما نصت عليه العبارات الرسمية في ذلك المؤتمر، فإن ذلك الأرخبيل يعتبر منطقة «مغلقة»، ولم تشر الرسائل الرسمية المتبادلة في هذا الخصوص بين الطرفين إلى أنه تم إخطار البرلمان البريطاني أو مجلس الشيوخ الأميركي باتفاقية دفاعية تم توقيعها، لتأجير جزر شاغوس للولايات المتحدة لـ50 عاما، قابلة للتجديد 20 عاما أخرى.
وتم الاتفاق على أساس أن كامل أرض الجزيرة «مطهرة تطهيرا كاملا، وخالية من الحياة». وتنص الاتفاقية على أنه في المقابل ستتلقى بريطانيا 11 مليون دولار، دعماً لغواصات الردع النووي المجهزة بصواريخ بولاريس الأميركية.
وعلى هذا الأساس تجاهلت بريطانيا وجود 1800 مواطن أصلي في تلك الجزر، والذين هم، وفقا لقانون المستعمرات البريطانية، يعتبرون مواطنين بريطانيين. ورأت الحكومة البريطانية أن من مصلحتها ألا يوجد شخص على أرض تلك الجزر، ذلك لأن هؤلاء السكان بوصفهم مواطنين بريطانيين، ينبغي أن يكون لهم حقوق ديمقراطية معترف بها، ولأغراض الإخلاء، اعتبرت بريطانيا ان هذه الجزر خالية من السكان.
في صيف يوليو ،1971 وصل عدد من مسؤولي «وايتهول» يحملون معهم أمر إخلاء لسكان الجزر، إذ أخبروا السكان بأنهم يقيمون في الجزيرة دون وجه شرعي، وعليه فقد تم ترحيل السكان إلى جزيرتي موريشيوس وسيشل، وانقسمت العائلات بين الجزيرتين، خلال عملية الإخلاء المستعجلة، ففي موريشيوس تم إرسالهم إلى منطقة سكنية مهجورة، إذ شيدوا لأنفسهم ملاجئ في إسطبلات الخيول وزرائب الخنازير، أما في سيشل فقد كان الأمر أسوأ من ذلك حيث تمت استضافتهم في السجون.
وأصبح الأمر يمثل كابوسا لسكان شاغوس، لكنها كانت البداية فقط، وبعد فترة قصيرة علموا أنهم لن يعودوا إلى ديارهم وإلى الأبد، وأن شهادات مواطنتهم البريطانية تم إلغاؤها، ولم يتلقوا سوى 325 جنيهاً إسترلينياً للشخص الواحد، تعويضاً على فقدان منزله وسبل عيشه وتاريخه.
وقبل أن يتم تسليم الجزر إلى الأميركيين، أقدم الجيش البريطاني على عمل اخير، فقد حاصروا 800 كلب أليف تركها المواطنون خلفهم وقتلوها خنقا بالغاز، ويقول المسؤول السابق الذي عينته بريطانيا، لإكمال عملية التطهير، السيد موليني «قمت أولا بتأمين المبنى، ثم أوصلت إليه أنابيب موصلة بعوادم سيارات الجيش الأميركي»، وصدرت الأوامر لسكان الجزر أن ينقلوا كلابهم المختنقة بالغاز بعيدا عن المكان، وبعدها بدأت عملية تغيير تلك الجزر. يصف الباحث بين فوغل الحالة التي آلت اليها تلك الجزر المخلاة من سكانها، التي زارها سرا، ويقول «كنت هناك اجمع مادة لكتاب لي عن المستعمرات البريطانية ما وراء البحار، واستأجرت قاربا من المالديف التي تقع على بعد 500 ميل الى الشمال، شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وأنا أطالع مدن شاغوس المهجورة فقد اعتلى النبات المباني، وكانت الشمس تتسلل من خلال الزجاج القديم للكنيسة المهجورة، وصدمت عندما اكتشفت عشرات الأشخاص، من جميع الجنسيات، يسكنون بين هذه الأطلال، في الوقت الذي أبعدت فيه الحكومة سكانها الأصليين من أراضيهم».
ظهر شعاع من الأمل عام ،2000 عندما ذهب سكان شاغوس إلى المحكمة العليا، واستطاعوا أن يستردوا حقهم في العودة إلى جزرهم. وأوصى وزير الخارجية البريطاني السابق روبن كوك، بإعادة شهادة المواطنة البريطانية لسكان الجزر. واستطاع الشاغوسيون (عددهم الآن 450 شخصا) السفر إلى بريطانيا، للاحتفال بهذا النصر والانتظار في مدينة كرولي إلى أن يتم تسفيرهم إلى موطنهم، وبعد وفاة كوك نكث وزير الخارجية السابق جاك سترو بهذا الوعد، وأصدر قرارا بأن يظل الشاغوسيون في بريطانيا، وظلت هذه القضية قيد النظر امام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.
-وكان رئيس وزراء موريشيوس نافين تشاندرا رام غلام، قد أعلن في عام 2011 عن رفع بلاده دعوى أمام محكمة الجزاء الدولية لقانون البحار في هامبورغ، وعلق قائلا إن بريطانيا «من خلال إنشائها محمية بحرية، فإنها تجاهلت حقوق موريشيوس وحقوق الشاغوسيين، الذين أخلتهم بشكل مهين من جزرهم».
تطهير عرقي
بصيص أمل
رغبة أخيرة
في احتفالاتهم بيوم الثقافة الشاغوسية في كرولي عرض مئات الشاغوسيين صورا ورسوماً ويوميات وأطعمة تمثل ثقافتهم المندثرة، كانت بينهم سيدة طاعنة في السن مازالت تتذكر ترحيلها الإجباري عن جزيرتها، وتقول في حرقة «عندي رغبة أخيرة أطلب تحقيقها، وهي أن أعود الى الجزيرة، لأنظف قبر زوجي وأموت سعيدة»، هذه رغبة بسيطة للغاية، لكنها تكاد تذهب أدراج الرياح، بعد أن أعلنت جماعات البيئة القوية، العام الماضي، عزمها على تحويل الجزيرة إلى محمية بحرية، غير مسموح لإنسان العيش فيها، وهي تلك الأخبار التي تلقاها البيئيون بمزيد من الابتهاج، لكنها وجدت شجبا من ناشطي حقوق الإنسان، وكانت موريشيوس الأكثر انزعاجا بهذا القرار، فقد وعدت بريطانيا عام ،1965 بإعادة تلك الجزر إلى موريشيوس، بعد انتفاء الحاجة إليها لأغراض الدفاع. يقول المندوب السامي لموريشيوس في لندن، إن هذا الأمر لا يتعلق بالبيئة على الإطلاق، ويضيف «أنهم يريدون منع مواطني الجزر من العودة الى موطنهم والاحتفاظ بالجزر إلى الأبد، لكننا لن ندع ذلك يحدث».
ولعل موقع «ويكيليكس» سلط الضوء، في ديسمبر الماضي، على هذا الجدل البيئي، وكشف أن وزارة الخارجية البريطانية لا تشعر بالأسف على ما حدث من انشطة غير قانونية، لإبعاد السكان الأصليين عن الجزر، وأنها (الخارجية) كانت تعمل قبل فترة، لإفشال حملاتهم للعودة الى موطنهم.
وأخبر مدير مكتب الكومنولث، كولن روبرتس، القنصل السياسي الأميركي بأنه لن يكون هناك «ساكن أصلي» في تلك الجزر غير المأهولة. ووفقا لبرقيات السفارة الأميركية فإن الحكومة البريطانية دفعت للأمام بموضوع المحمية البيئية، من أجل تحسين صورة حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، «إذ إن هذه المحمية ستجد الترحيب من معظم قطاعات الشعب البريطاني». وفي جزء من الوثيقة التي كشف عنها «ويكيليكس» تحدث روبرتس أمام أعضاء المجموعة البيئية، التي تعمل على تأسيس محمية بيئية، قائلا «لن نأسف أبدا لإبعاد السكان»، وعندما أشار إليه المسؤولون الأميركيون بأن سكان شاغوس يطالبون باستمرار بالعودة لوطنهم، رد قائلا إن «اللوبي البريطاني البيئي أقوى من محاميي الشاغوسيين». ويقول البعض ان حزب المحافظين إذا ظل في السلطة بعد الانتخابات العامة المقبلة، فإنه لن يؤيد مطالب الشاغوسيين بحق العودة.