ماياكوفسكي.. فنان لا نجد له لوحة واحدة! بقلم: عباس ثائر

|| Midline-news || – الوسط …
.
ماياكوفسكي غني عن التعريف، لكنّ ما يثير استغرابنا كقراء عرب، هو أن ما وصلنا منه، شعره ومسرحياته وحسب، بينما لم يصلنا أي شيء من فنه سوى ما قيل عنه: “كان فنانًا”. ولكن أين من كل هذا لوحاته الفنية ورسوماته؟ عمن تحدثت؟ وكيف كان يرسم؟
يكاد يخلو “جوجل”- باللغة العربية؛ من أي صورة للوحة أو أي من أعمال ماياكوفسكي الفنية. على الرغم من ظهور موهبته في السابعة من عمره بعد أن انتقلت عائلته الى كوتاسكي، ودرس في صالة الألعاب الرياضية.. هناك أخذ بعض الدروس في الفن. وفي خريف عام 1911، أعاد الامتحان للمرة الثانية في مدرسة الرسم، بعد أن فشل في المرة الأولى عام 1910، إلاّ انه لم ينجح مرة أخرى! لم يسعفه الوقت في الاختبارين اللذين اشترطا لاجتيازهما تقديم عمل متكامل أثناء الامتحان، لم ييأس فأقدم على التسجيل في “مدرسة موسكو للرسم والنحت والعمارة”، فهوايته كانت تنتظره داخل تلك الأسوار، مدرسة موسكو، المكان الوحيد الذي استقبله دونما شهادة ثقة.
لم يكن شاعرًا هائلًا فحسب، بل فنانًا برع في فنه، وللأسف أن لوحاته ورسومه لا يعرفها الجميع. عندما وصل شرار الثورة الروسية إلى جورجيا، شارك في المسيرات لأول مرة وهو طفل، لم يبلغ الحلم، ذكرت أخته ليودميلا ماياكوفسكي: “إن نضال الجماهير الثوري قد أثّر بشكل واضح على فولوديا وأوليا أيضًا، فكان القوقاز يشهد ثورة خاصة، لقد شارك الجميع في النضال، وانقسموا إلى الذين شاركوا في الثورة، والذين تعاطفوا معها، وبالتأكيد المعادين لها”.
.
مرة أخرى ينتفض الشاب الروسي المتحمس ليكتب قصيدة ثورية مناهضة للنظام، فنشرت بعد ذلك بإحدى الصحف المدرسية ما قاده للسجن، ثم أطلق سراحه بكفالة وسلم لوالدته.
واحتوت المجموعة الثالثة على بعض الرسومات من بينها صورته بطريقة كاريكاتورية، ماياكوفسكي في ملاحقة الزرافة، وماياكوفسكي راكبًا الزرافة.
.
في الأعوام ما بين 1911 – 1915، ابتكر العديد من الرسومات المضحكة والرسوم المتحركة والصور الاحترافية. خلال سنوات الحروب والثورات رسم الملصقات، وزودها بكتابات شعرية، أولاً لدار النشر “لوبوك اليوم” ثم لـ”ويندوز، نوافذ”. بلغ عدد الرسومات التي رسمها الآلاف.
في الأيام الصعبة من الحرب الداخلية والخارجية التي مرت بها روسيا، وعندما تطلب الوقت نفسه أشكالًا دعائية جديدة من الفن التي يمكن أن ترفع روح الجماهير المعنوية للقتال، ولدت الأسطورة “ويندوز، النوافذ”. وكانت الصحافة المصورة هي شكل التواصل مع الناس الذين احتاجهم، بحسب تعبيره: “الشارع هو فرشتنا، والمربع هو لوحتنا”. ربط دور الشاعر والفنان في بناء مجتمع عادل اجتماعيًا بـ”دمقرطة الفن”، مع البحث عن أشكال جديدة جذابة للجماهير، فهو يعتقد: لا ينبغي أن يتركز الفن في المتاحف، والمعابد، والمعارض الخاصة أو الشخصية، ولكن يجب أن يكون في كل مكان، في الشوارع، الترام، المصانع، ورش العمل، المناطق
ومن هذا المنطلق نجد أن عمله في “ويندوز، نوافذ” عملًا سياسيًا وإنسانيًا بذات الوقت؛ لذا استجاب سريعًا وبشكل معلن، للقرارات والمراسيم الأولى التي أصدرتها الحكومة السوفيتية آنذاك.
.
فيما يتعلق بالقضايا الصحية، وانطلاقاً من واجب وطني وإنساني، واجب المثقف الذي كان يعتقده ويؤمن به، والمسؤولية التي تقع على عاتقه إذا ما اشتدت مأساة الشعب، وإيمانه القوي بالواجب المدني دفعه للعمل بجدية وتفان، ففي إحدى ملصقاته يُظهر الإجراءات الرئيسية لمكافحة الوباء، وتراها بائنة على الملصق في الثلث السفلي من الشكل، رجل يسكب الماء بسخاء من دلو، فيما يقوم شخصان آخران بغسيل الملابس، وفي الخلف يظهر طبيب واقف ويحمل بعض الأدوية بيديه. فهذا الملصق إشارة للتدابير الاحترازية آنذاك حول إجراءات مكافحة التيفوس 28 كانون الثاني/يناير 1919، كذلك نرى أن اهتماماته بالجوانب الصحية تظهر جلية على ملصقاته في الحملة التي أطلقتها الحكومة لمواجهة الأوبئة، فقد سخّر اهتمامًا كبيرًا لهذا الجانب، يبدو أن اهتمامه متأتية من طفولته، ففي سنة 1906، حيث كان يبلغ من العمر 13 عامًا، أصيب والده في إصبعه بإبرة تدبيس الورق، مما أدى إلى تسمم دمه فوفاته.. كان يخشى البكتيريا؛ مما جعله يحمل الصابون، ويأخذ حوضًا قابلًا للطي، وكولونيا لمسحها، ويراقب النظافة بعناية.. يعتقد أن شعره وملصقاته – بما يخص التثقيف الصحي ودعم الجيش وردم الجوع- يجلبان فوائد حقيقية نافعة للناس.
استمرت وكالة “نوافذ او يندوز” في الاحتفاظ بأهميتها الهائلة، فقد ساهم ورفاقه، من خلالها بمساعدة إحدى المدن الروسية التي اكتسحها الجوع (تقع على نهر الفولغا) وبذلوا لأجلها جهداً جباراً، كما شجعوا مواطني المقاطعات “المنتجة” لمتابعة تعليم الأطفال الجائعين والمرضى في تلك المنطقة.
.