دراسات وأبحاث

لماذا سيفوز أردوغان في اسطنبول..وما هي التداعيات ؟- معهد واشنطن

|| Midline-news || – الوسط …

في 6 أيار، ألغى مجلس الانتخابات في تركيا نتيجة انتخابات رئاسة البلدية التي أجريت في 31 آذارفي اسطنبول والتي هزم فيها مرشح «حزب الشعب الجمهوري» المعارض أكرم إمام أوغلو مرشح «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بينالي يلديريم بنسبة لم تتجاوز 1% من الأصوات. وصدر القرار بعد وقت قصير من ادعاء الرئيس أردوغان أن السباق كان “مشوباً بالمخالفات” مطالباً بإعادة إجرائه. وفي إشارة إلى متانة قبضته على مؤسسات الدولة، أعلنت هيئة مراقبة الانتخابات في تركيا أنه سيتم إجراء انتخابات جديدة في اسطنبول يوم 23 حزيران. ويواجه إمام أوغلو معركةً يتعذر عليه على ما يبدو الفوز بها في إطار مسعاه للفوز مجدداً، لأن أردوغان لن يألوَ جهداً سواء من الناحية القانونية أو السياسية أو الدبلوماسية لضمان انتصار مرشحه (ربما يلدريم مرة أخرى).

ما الذي قد يساعد إمام أوغلو

شكّل الفوز الذي حققه إمام أوغلو في آذارمفاجأةً للكثيرين نظراً إلى تجربة يلديريم السابقة كرئيس للوزراء ووزير للنقل، والتي اشتهر من خلالها بأنه “باني الجسور والأنفاق وخطوط المترو”. فاسطنبول بحاجة ماسة إلى بنية تحتية أفضل، وبدا يلديريم المرشح الأفضل لمواجهة هذا التحدي.

في المقابل، كان إمام أوغلو عمدة منطقة بعيدة من إسطنبول وكان غير معروف نسبياً قبل دخوله السباق في كانون الثانير. وشارك الرئيس شخصياً في حملة الانتخابات لصالح يلديريم – وهي مساهمة كبيرة نظراً لأن أردوغان يسيطر على ما يقرب من 90 في المائة من وسائل الإعلام في البلاد. ومع ذلك، سرعان ما تقدّم إمام أوغلو عليه في استطلاعات الرأي من خلال عرض مهاراته وموارده السياسية الوافرة، والتي يمكن أن تساعده جميعها على الفوز مرة أخرى.

ردوغان فاز بانتخابات وطنية ومحلية متعاقبة من خلال تشويه سمعة الفئات السكانية التي من غير المرجح أن تصوّت لصالحه. ورداً على ذلك، حاول معظم خصومه أن يكونوا أكثر شعبويةً وقومية منه، ولكن محاولتهم باءت بالفشل. غير أن إمام أوغلو سلك طريقاً مختلفاً، حيث استخدم استراتيجيةً تسمّى “الحب الراديكالي” وتقوم على تجاهل خطاب أردوغان الشعبوي ولكن مع الحرص على التواصل مع محبّي الرئيس. وقد ساعدته هذه المقاربة على توسيع قاعدة «حزب الشعب الجمهوري» في اسطنبول.

وفي الوقت نفسه، اتّحدت مجموعة من الفصائل المعارضة وراء إمام أوغلو خلال الفترة التي سبقت التصويت في آذار وتحالفت ميرال أكشنار وفصيلها القومي التركي من الطبقة الحضرية/المتوسطة رسمياً مع «حزب الشعب الجمهوري»، في حين لم يطرح «حزب ديمقراطية الشعوب» [«حزب الشعوب الديمقراطي»] القومي الكردي مرشحاً له في اسطنبول، مشجعاً بشكل غير مباشر قاعدته على التصويت لإمام أوغلو.

وإذا ساعدت قاعدة معارضة موحّدة إمام أوغلو على الفوز، فإن اليقظة الديمقراطية في أوساط داعميه ساهمت في الحفاظ على الفوز، على الأقل في البداية. فعندما أظهرت الأصوات يوم الاقتراع تقدّم إمام أوغلو على يلديريم، توقفت “وكالة الأناضول للأنباء” الحكومية، وهي الهيئة الوحيدة المسموح لها بإصدار نتائج الانتخابات الرسمية، عن بثّ بيانات الاستطلاعات لما يقرب من اثنتي عشر ساعة. بعد ذلك، ظهر يلديريم مباشرةً على شاشة التلفزيون لإعلان انتصاره، في وقت لم تمنح فيه قناة “سي أن أن تورك” وغيرها من الشبكات الوطنية الرئيسية إمام أوغلو وقتاً مخصصاً له على شاشات التلفزيون. غير أن الحملة المنظمة بعناية لإمام أوغلو تابعت عملها مستخدمةً مواقع التواصل الاجتماعي لإعلام الجمهور بالعدد الدقيق والمنظم للأصوات التي تمّ جمعها من حوالى 31 ألف صندوق اقتراع من جميع أنحاء المدينة والتي وثّقت فوزه بنجاح.

أردوغان – لماذا لن يدع اسطنبول تفلت من أيديه؟

كما يتبين من القرار الذي صدر في السادس من أيار، لا يمكن لأردوغان أن يخسر اسطنبول. فارتقاؤه على مرّ السنوات من مكتب رئيس بلدية المدينة وصولاً إلى الرئاسة يُظهر لأي مدى تُعتبر اسطنبول ماكينة صنع العلامة السياسية في تركيا. بعبارة أخرى، إذا حافظ إمام أوغلو على فوزه، يمكن في النهاية لقائد «حزب الشعب الجمهوري» أن يشكّل تهديداً لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المزمعة في عام 2023. علاوةً على ذلك، تشكّل اسطنبول نحو ثلث اقتصاد تركيا البالغ 2.3 تريليون دولار منذ عام 2018، لذلك فهي تؤدي دوراً مهماً في تسهيل سير ماكينة أردوغان السياسية، بحيث تخلق شبكات دعم موالية في مجتمع الأعمال.

وبالتالي، سيلعب أردوغان لعبةً أكثر ذكاءً خلال الفترة التي تسبق انتخابات 23 حزيران. وفي نتائج انتخابات آذار الملغاة، قرر على ما يبدو أن الثمن المالي والسياسي لخسارة اسطنبول تفوق بكثير من خسارة الشرعية التي سيعانيها محلياً ودولياً من خلال فرض إعادة الانتخابات. فهو يلمّح أساساً إلى سباق غير تقليدي حتى بالمقارنة مع المعايير الديمقراطية المتداعية مؤخراً في تركيا.

واستناداً إلى تقرير صادر عن قناة “بي بي سي” حول الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان في 7 أيار، انتقد أردوغان “الدوائر السوداء، ومخربي الاقتصاد، ومن يُطلق عليهم تسمية النخبويين” الذين تعاونوا “لتجريد البلد من إرادته”. ويشير مثل هذا الخطاب إلى أنه سيستخدم نفوذه على المحاكم ووسائل الإعلام وهيئات مراقبة الانتخابات في تركيا وغيرها من المؤسسات لاستهداف أعضاء المعارضة وموظفي الحملات وحتى إمام أوغلو شخصياً باعتبارهم “مجرمين”.

ويقيناً أنه سيكون من الصعب تزوير الأصوات إلى حدّ كبير نظراً إلى مقاومة المعارضة والمجتمع المحلي في البلاد. لكن رغبة أردوغان في تغيير النتيجة قوية إلى درجة أنه قد يعلّق العمل ببعض الحريات الديمقراطية لقلب الموازين لصالح مرشحه في اسطنبول، متذرعاً بقضايا الأمن القومي.

زاوية السياسة الخارجية

إلى جانب وصف خصومه السياسيين على أنهم “أعداء الدولة”، قد يتخذ أردوغان من الأزمات الأمنية في الخارج ذريعة لترجيح الكفة لصالحه. فلنأخذ على سبيل المثال الأزمة التي تلوح في الأفق بين تركيا وقبرص  حول التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث قد تتحوّل الادعاءات المتضاربة بشأن الحدود البرية إلى مواجهة تعزّز قاعدة أردوغان القومية بشكل أكبر. ومن شأن المواجهة بين القوات التركية والجيش السوري في سورية أن تحقق غايات مماثلة.

وقد يقرر أردوغان أيضاً إثارة غضب قاعدته الإسلامية السياسية المحافظة. فالتصعيد الأخير بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة منحه حافزاً لحشد مثل هؤلاء المؤيدين، لا سيما وأن الفترة التي تسبق انتخابات 23 حزيران تتداخل مع شهر رمضان المبارك، وهي تقليدياً فترة تزداد فيها الحساسيات لدى المسلمين.

الزاوية الكردية

من الخيارات الأخرى المتاحة أمام أردوغان استخدام زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان لجعل ناخبي «حزب ديمقراطية الشعوب» القوميين الأكراد ينشقون عن معسكر إمام أوغلو. وتجدر الملاحظة أن أوجلان يقبع في السجن منذ عام 1998 وفي السجن الانفرادي منذ عدة سنوات، لكن في 6 نيسان سمح له أروغان بالتواصل مع المحامين الموكلين بالدفاع عنه للمرة الأولى منذ ثماني سنوات. وعلى الرغم من أن أوجلان يقود مجموعةً مصنّفة على أنها إرهابية، إلّا أنه يحظى بجاذبية هائلة ضمن قاعدة «حزب ديمقراطية الشعوب» التي حثّها على تنمية علاقات أفضل مع أردوغان في بيان أصدره مؤخراً.

أما الموضوع الأفضل الذي يمكن من خلاله لأوجلان وأردوغان إبرام اتفاق أكبر فهو سوريا. فحلفاء «حزب العمال الكردستاني» السوريون، أي «وحدات حماية الشعب»، بصدد إجراء محادثات مع أنقرة حول إقامة منطقة آمنة تدعمها الولايات المتحدة على طول الحدود. وفي حين لم يطلب بيان أوجلان صراحةً من ناخبي «حزب ديمقراطية الشعوب» سحب دعمهم لإمام أوغلو، إلّا أنه قد يَطلب منهم ذلك (أو ببساطة يأمرهم بالبقاء في منازلهم في يوم الانتخابات) مقابل إتمام أردوغان الصفقة مع «وحدات حماية الشعب» وتيسير ظروفه في السجن الانفرادي. أما إذا فشلت محادثات المنطقة الآمنة، فقد يأمر أردوغان بغزو عسكري للمناطق الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب» شمال سوريا، متسبباً بأزمة أمنية قومية أخرى يمكنه استغلالها ضد إمام أوغلو.

دوامة الزمن إلى عام 1946؟

إذا لم تكن أي من هذه الإجراءات كافيةً لضمان فوز مرشح أردوغان، فقد يلغي الرئيس التركي حتى السباق المزمع في 23 حزيرانو كلياً. فإلغاء فوز المعارضة في اسطنبول هو بحدّ ذاته حدث “زلزالي” في سياق التاريخ التركي. فعندما أجرت البلاد الانتخابات البلدية الأولى المتعددة الأحزاب في عام 1946، فإن النتيجة المزورة على نطاق واسع جعلت ديمقراطيتها تبدو وكأنها مهزلةً. ولم تلبث تركيا بعدها أن أحرزت تقدماً سريعاً على هذا الصعيد، فأجرت انتخابات حرة وعادلة طوال عقود بدءاً من عام 1950. ومع ذلك، فإن قرار السادس من أيار وتداعياته المقبلة قد تشوّه مؤسسات البلاد وتعيدها إلى عام 1946.

المصدر :معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى 

سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن،ومؤلف كتاب ” السلطان الجدبد : أردوغان وأزمة تركيا الحديثة “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك