لبنان يبقى أو لا يبقى /بقلم نبيه البرجي
الوسط -midline-news:
كلنا الآن أمام السؤال الكارثي : لبنان يبقى أو لا يبقى ؟!
ولقد ابتلينا بطبقة سياسية لا نظير لها في الدنيا : ديكتاتورية سياسية , وديكتاتورية طائفية , وديكتاتورية قبلية, وديكتاتورية مالية . آن الأوان لكي يخلع هولاكو القناع عن وجهه …
تلك الأيدي (الرؤوس) الملطخة بالوحل جاهزة , في أي لحظة , لكي تتلطخ بالدم . كنا ننتظر أن يحزم الكثيرون حقائبهم , وحقائب نسائهم . لم يحدث شيء من ذلك . كيف يمكن ان يرف جفن للتماثيل الرخامية ؟
هم أكلة لحوم البشر الذين صنعوا من الدولة اللادولة . ها هو لبنان الأرض اليباب . تذكرون ليلة الحرائق . ليلة أن صرخ الصنوبر في وجهنا : أيها القتلة ! حتى الأشجار لم يتمكنوا من حمايتها , كيف لهم أن يحموا الكائنات البشرية , ولطالما رأوا فينا سقط المتاع على أرصفة … القرون الوسطى .
ليقولوا لنا ماذا فعلوا من أجلنا على امتداد العقود الثلاثة المنصرمة . لم نعد أكثر من غابة للهياكل العظمية , وان قال أحد الأعراب ساخراً “هذه ثورة أحمر الشفاه” . لتكن ثورة أحمر الشفاه بدل أن تكون ثورة ذلك الأحمر الآخر .
الثورة ما بعد فوات الأوان . كان يفترض أن يعلو صوتنا وأن تزلزل أقدامنا الأرض , حين بدأ الدين العام يجثو على ظهورنا , وحين كانوا يهددوننا , بين الفينة والأخرى , بقطع ما تبقى من الكهرباء عنا , وحين حولوا الأنهار الى مستنقعات , وجعلوا من الطرق أقرب الطرق الى المقابر .
بالرغم من كل الرايات التي تخفق , ليس صحيحاً أن لبنان لم يعد “لبنانان” . على الأرض , كل يغني على ليلاه , والا كانت تبلورت قيادة , أو قيادات , ما , رؤية ما , ونحن الشركاء في الوجع , الشركاء في الصرخة , الشركاء في الفجيعة . اين رؤوسكم أيها الرفاق ؟!
لنقل ثانية أن ثقافة الطرقات المقفلة لا تمت بصلة الى الثقافة الثورية التي تقوم على التواصل , وعلى التفاعل , لا على تقطيع الأوصال .
هذه ثقافة الحرب الأهلية . كيف للانتفاضة أن تكون سلمية حين تقفل الطرقات أمام الناس , وبين الناس ؟ . هكذا يبدأ حفر الخنادق (وحفر القبور) باقفال الطرقات , الوجه الاخر لاقفال الحياة …
لاأحد يضحك علينا بالشعارات البراقة . وبسندويتشات الشاورما , وحتى بسندويتشات الكافيار (آه … يا سندويتشات الفلافل !). احصنة طروادة تصول وتجول بيننا . نخشى أن تكون هي من تقودنا . القناع لا يزال على وجه هولاكو .
كونوا على ثقة بأننا نفعل ما تريد منا الطبقة السياسية أن نفعله . بخطى حثيثة ندفع البلد نحو الخراب . كلنا ضد ذلك النظام البشع (التوتاليتاريات المنزلة) , ولكن أين هو طريقنا وأين هي قياداتنا ؟ التقطوا أنفاسكم قليلاً , واسألوا أنفسكم الى أين ؟ دعونا نستعيد كلام ناظم حكمت “الى أين يقودنا هذا الشراع الذي بمائة سارية ؟” .
من منا لا يعلم أن لبنان , ومنذ نشأته (أو نحن جعلنا منه كذلك) , رهينة التقاطعات الجيوسياسية والجيوستراتيجية في المنطقة ؟ لسنا دولة على سطح المريخ . الحرائق , وربما الزلازل , تحيط بنا من كحدب وصوب . أمامنا ظواهر (أو تظاهرات) لا يمكن أن تكون ثورية . ثمة اشباح تتنقل (باسمائها) بيننا .
هناك من يضغط على الرئيس سعد الحريري للاستقالة . الاتحاد الأوروبي (وبالتفاهم مع الفاتيكان ) خائف من التداعيات الكارثية لأي فراغ يفتح أمامنا أبواب جهنم . هذه ساعات رجل الدولة , لا رجل الطائفة , ولا رجل الخندق .
لا يعني هذا أننا نبرئ أياً كان من الأهوال التي نعيشها , لكن ثمة من يلعب بالرؤوس , وثمة من يلعب بالأقدام . لن نتحول, مرة أخرى الى حطب بشري في لعبة ما دون الأمم وفي لعبة ما دون القبائل .
نحن أمام الحائط . نخشى ان يكون حائط الدم . لا بد للطبقة السياسية , وقد بدت عارية حتى من ورقة التوت , أن تلفظ أنفاسها الأخيرة . لا تدعوا لبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة . ليكن الحوار , ولو على الجمر . الحوار بالصوت العالي , وبالرأس العالي . لا خيار آخر أمامنا !!
كاتب وباحث لبناني