إضاءاتالعناوين الرئيسية

كونشرتو الجنون .. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …

 

*مثل أي واحد من الناس، لطالما فتنتني الدراما بلعبتها الآسرة و”بواقعها” الذي أصبح مثل الخيال، حتى أنني بتّ “أحدس” ببراءة، واقفاً وفي منتصف السؤال: ترى أين ينتهي الواقع ليبدأ التخييل؟! ومع ذلك، فإنني ما زلت مشدوهاً “لدراما” أخرى تهبنا أدواراً خفية، وقسرية على مسرح الحياة  وخشبتها ولكل منّا “عوليسه” ليكون قسطاً من العقل، أو قسطاً من الجنون، أو مزيجاً بينهما!

يا إلهي.. هل أصبح الجنون ثقافة، أم عادة، أم طقوساً معلنة ليرسم يومياتنا بالعبث واللامبالاة، وبالصمت حينما ندرك أننا استنفدنا الكلام، وأدرك أن ذلك المسمّى “جنون” من شأنه –أحياناً- أن يحمل كثيرين على الهرب من دوامّته إلى مدن تلتحف ضبابها، ولشواطئ ما زال البحر يكتب لها قصيدته الوحيدة، مدنٌ لا تشبه إلا ذاتها، وشواطئ مكشوفة الجرح، كل ذلك بفعل “الجنون”!، وضربة شمسه و”حدوته” الحياة (الجميلة)!

*ثمة فكرة غريبة طرأت في رأس الممّثل المصري سعيد صالح-في سالف الأيام-، هي أن يزور مصّحات الأمراض العقلية ويغنّي للمجانين، ليس فقط لنشر بعض الفرح في صفوفهم ولكن لأن العيش معهم لبعض الوقت واكتساب ثقتهم، قد يوحي بأشياء كثيرة تقدم للناس الذين يعيشون رغماً خارج تلك المصّحات، ولا أعلم حتى الساعة هل قرأ سعيد صالح ما كتبه ميشال فوكو، فوكو الذي لم تعتبره الجمعية الفلسفية اليابانية فيلسوفاً، “ولم يأتِ بتصور فلسفي جديد”، وذلك إثر زيارة تبادل ثقافي عام 1975، وحينها أراد-فوكو-امتداح ذاته فقال: “كنت مشخصاً بارعاً”، لكن الأهم فيما كتبه ميشال فوكو هو كتابه المثير للجدل “تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي” وفيه يرصد كيف تحول عالم الجنون في القرن السابع عشر إلى عالم الطرد والمنع، فالمجانين هم المهمّشون والمنبوذون، وعليه ذهب ميشال فوكو، على خطا ماركس، أي بالانطلاق من الأفق التاريخي كمجال حيوي للمعرفة وبعيداً عن هذا السياق “التأصيلي”، فإنني أجزم بأن الفنان سعيد صالح، حتى ولو لم يقرأ –فوكو- فقد التقى به في الإحساس بأوجاع “أكثر تعقلاً منّا” على سبيل المجاز!

ولسان حالك أولئك –المهمّشين يقول: “لا.. لا نحن لسنا هناك حيث تترصدونا، إننا هنا حيث نرقبكم ضاحكون”.

الجنون، خارجاً لا يشبه حتى ذاته، ولا يجدي نفعاً اختراع حداثة ما له، ومن العبث –على الأرجح- أن يكتمل توصيف بعينه له، فمثلاً ما معنى أن يموت كاتب وفنان متجمداً من البرد في شوارع القاهرة؟! ولعل الكاتب السوداني محمد حسين بهنس، ليس المثال الوحيد للذين يموتون في الصمت والنسيان، أو ليس المثال الوحيد لهذا الجنون المتطّير في غير مكان، وثمة من يطلب الزواج بنية تحسين الوضع المعاشي من رئيس السلطة الفلسطينية ومناكفة تطلب أخرى الزواج من رئيس الوزراء المقال، وهناك نواحٌ وجعجعة من سرقة أغنية “تيرشرش” وكأن الصهاينة لم يسرقوا سواها، فلا شأن لنا بذوق هابط وذائقة فنية لدى أعدائنا، هو الجنون المتربّص بالحياة، وبالعقل المتأجّج، بالتنوير، وليس للجنون –خارجاً- هرطقة لنغلبها بالحُجّة، ولا بورتريه ليتوقف فيه زمنه، في الماضي ثمة كائن ما يتحدث مع ذاته في الشارع –المسكين- لم يعد يحتمل خفة واقعه التي لا تحتمل، وكان بعض من في الشارع يحاولون الإصغاء بمحض عادة الفضول، واليوم يتكلم الجميع مع ذواتهم، من يصغي لجنون حواسهم، ويضحك الزمن ضحكة فلسفية فحسب.

ولمجرّد أنك “آخر” ثمة من يقوم بانتزاع قلبك، ودعوتك دون إذنك لحفل شواء بشري!، لطالما قال نيتشه: “الإنسان هو ذئب الإنسان”، وقال ميخائيل نعيمة مخاطباً بني جلدته: “قتل الإنسان للإنسان الآخر هو خطيئة كبرى، أنتَ لم تخلقني، فأية قدرة لديك لتطفئ حياتي؟ إنني هنا في مهمة، وعندما تقتلني تمنعني من تحقيق مهمتي”.

فهل يمكن الانتساب لجمعية الفكاهة السوداء لنكافئ الحياة على شرورها، يتساءل ذوو الجنون المضّاد ومنهم دوستويفسكي الذي صّرح ذات مرة بالقول: “لدي مشروع: أن أصبح مجنوناً”!

مهلاً، ليس من شروط أو معايير لجمعية الفكاهة السوداء، سوى أن تكون بقّية الشعاع من تلك الشمعة الذابلة، الذي ظل يضيء، سوى أن تمتلك جرأة النظر في المرآة لترى الواقف أمامها، هل يشبهك حقاً، هل يشبهك؟!..

 

*كاتب وناقد فلسطيني- سورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك