كم غيفارا نحتاج في هذا الشرق ؟!
|| Midline-news || – الوسط ..
في التاسع من شهر تشرين الأول من العام 1967 اغتالت وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ “ـسي آي إيه ” بأمر من دكتاتور بوليفيا “رينيه باريينتوس”, المناضل الثوري ,أرنستو تشي غيفارا, بعد اعتقاله في غابات بوليفيا, والتي كان يقود فيها ثورة ضد الولايات المتحدة الأمريكية ودكتاتوريات الموز, المستعمرة لدول أمريكا اللاتينية عبر الشركات التجارية ومنها شركة “الفواكه المتحدة “, حتى باتت معظم شعوب دول أمريكا اللاتينية “تعيش عبودية في المزارع الملحقة بوكالة الاستخبارات الأمريكية .
استشهد غيفارا برصاص من يدافع عنهم وعن مستقبلهم ولكنه وبعد 52 عاما بقي أيقونه للكفاح ضد الظلم والاستغلال و”منافسة الذئاب” كما كان يسمي النظام الرأسمالي . نستذكر غيفارا وثورته واغتياله لأننا نعيش اليوم في وضع يشبه إلى حد كبير ما كانت تعيشه دول أمريكا اللاتينية من حروب فقر وتخلف واستغلال, في ظل دكتاتوريات تعينها وكالات الاستخبارات الأمريكية والغربية مع فارق أنه ليس بشركات الفواكه والموز وإنما بشركات الغاز والنفط . ولسنا بحاجة لرحلة غيفارا على دراجته لاكتشاف هذا الواقع فالدول المتحكّمة بمصائرنا والتي اشترت عناء اكتشاف معاناة الشعوب العربية وفّرت علينا مشقّة السفر والترحال, وبتنا نشاهد كل هذا عبر شاشات التلفزة وأجهزة الهواتف والحواسيب ,والنتيجة التي وصل إليها غيفارا بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، ولكنها كيان واحد يتطلب إستراتيجية تحرير على نطاق القارة. وهذا هو خلاصنا نحن أيضا في منطقتنا العربية التي تعاني مشاكل مشتركة ,ويتطلب على الأقل تضامنا وعلاقة حقيقية بين هذه الشعوب المضطهدة كما كان حال أهالي المستعمرات في أمريكا اللاتينية النائية وشديدة الفقر, حيث كان الفلاحون يعملون في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء, ووصف غيفارا الحال قائلاً “إنه أعلى أشكال التضامن البشري والولاء الذي ينشأ بين الناس في ظل الوحدة واليأس من هذا القبيل”. فهل يوحد الألم والفقر هذه الشعوب ويدفعها للبحث عن خلاص ونهاية لهذا الكابوس المستمر؟ هل تبحث عن المستقبل أم تتعلق أكثر وأكثر بالماضي والتاريخ الحامل لكل أسباب التفرقة والعنف؟
أسئلة باتت محسومة نحو الخيار الثاني “الأسوأ” بتجربة ثماني سنوات قاتمة. عندما بدأ ما أطلق عليه اسم “الربيع العربي” في العام 2010 لعب من أراد إعادة احتلال وتشكيل المنطقة العربية على هذا الوتر ودفع بالكثير من الناس إلى الشوارع للاحتجاج والمطالبة بحقوقهم ,وجُهّزت النخب وحُرّضت على هذا” الفعل المنتظر” ,انتظر البقية وترقبوا الخير من هذه الأمة ونخبها ,كما انتظروا أن تتحول هذه التحركات إلى ثورة “البحث عن المستقبل ” والخروج من نفق التبعية السياسية والاقتصادية والفكرية, ولكن كانت النتيجة هي “ثورة نبش الماضي” وتعزيز التفرقة والتعصب الديني والقومي وقلب الساعة والزمن باتجاه الوراء ,حتى بات عدّاد الأيام يعود بنا إلى الخلف بدل أن يسجل الغد واستحضر لنا “ثوار الربيع” كل أسماء التاريخ من معارك وشخصيات دينية . طبعا من عوّل على هذا الحراك إما كان حالما أو مغفلا ,إذ كان عليه أن يدرك ويعي أن شعوبا لا تنتج شيئا ذو قيمة منذ قرون كيف لها أن تنتج “ثورة”، ثورة حقيقية لاتجيّر ولا تتحول لمصلحة الغير .فالثوارات العربية الهجينة والمستحدثة والمصنعة في مراكز الدراسات والأبحاث والاستخبارات جعلتنا نحلم بعودة أو تمكين الدكتاتوريات من جديد .
في ذكرى رحيل قادة وثوار كبار مثل غيفارا وغاندي وكاسترو ولينين ورواد الثورة الفرنسية, ندرك في بلداننا العربية كم نحن مخصيون فكريا وسياسيا وعاجزون عن فعل شيء يضمن لأولادنا المستقبل . في خطاب تأبين غيفارا القى الراحل فيديل كاسترو خطاباً أمام حشد من مليون شخص من المعزين في ساحة الثورة بالعاصمة هافانا, , وتحدث عن غيفارا باعتباره قدوة فقال “إذا كنا نود أن نفصح عن ما نريده من رجال الأجيال القادمة أن يكونوا عليه، فعلينا أن نقول: دعهم يكونوا مثل تشي! إذا أردنا أن نقول كيف نريد لأطفالنا أن يتعلموا، فعلينا أن نقول بلا تردد: نريد منهم أن يتعلموا بروح تشي! إذا أردنا أنموذجا للرجل الذي لا ينتمي إلى عصرنا بل إلى المستقبل، فأقول من أعماق قلبي إن هذا الأنموذج، من دون أي مأخذ على سلوكه ومن دون أي مأخذ على عمله، هو تشي! . ونحن نريد رجالا ينتمون إلى المستقبل لا إلى الماضي نريد من يرسم لنا صبحا لا من يرثي لنا أمسا,نريد غيفارا عربي ……
وسام داؤد
صحيفة العربية العراقية