عن آخر فلاسفة الهند الكبار .. جدو كريشنامورتي
|| Midline-news || – الوسط ..
ولِد كريشنامورتي عام 1895، في قرية صغيرة جنوب الهند “مادانبالي”. تم تبنيه مع أخيه في صغرهما من قبل الدكتورة آني بيزانت وحينها كانت رئيسة المجمع الثيوصوفي في الهند.و ادعت الدكتوة بيزانت وآخرون أن كريشنامورتي سيكون معلماً عالمياً تنبأ بقدومه الثيوصوفيين. ولتحضير العالم لقدومه، تم تشكيل مؤسسة عالمية كبيرة في الشرق، وكان اليافع كريشنامورتي على رأسها.
ولكن كريشنامورتي تخلى في عام 1929 عن الدور الذي كان متوقعاً منه أن يلعبه، حلَّ المؤسسة التي أصبح لها في ذلك الوقت أتباع كثيرون، وأعاد الأموال والأملاك التي تم التبرع بها لأجل مهمته.
ومن حينها وحتى وفاته عام 1986، طاف كريشنامورتي العالم مخاطباً جمهوراً كبيراً عن التغيير الجذري في البشرية.
يُنظَر إلى كريشنامورتي عالمياً على أنه من أعظم المفكرين والمعلمين الروحيين على مر الزمان. لم يقم الرجل بشرح أي فلسفة أو دين، ولكنه تكلم عن أشياء تهم كل منا في حياته اليومية؛ عن مشاكل الحياة في المجتمع المعاصر بما يحويه هذا المجتمع من عنف وفساد؛ عن سعي الفرد إلى السعادة والأمان، وحاجة البشرية لأن تحرر ذاتها من أثقال الخوف الداخلي والغضب والألم والأسى. لقد شرح بدقة بالغة الطريقة الماكرة للكيفية التي يعمل بها الذهن البشري، وأشار إلى الحاجة إلى إدخال التأمل العميق والجوهر الروحي إلى حياتنا اليومية.
لا ينتمي ” كريشنامورتي ” إلى دين ما أو طائفة أو بلد وكذلك لم ينتمي إلى أي مدرسة سياسية أو فكرية إيديولوجية؛ بل لقد أعلن أن هذه الأمور هي العوامل الأساسية والرئيسية التي تقسّم البشر وتجلب الصراع والحرب. لقد استمر في تذكير مستمعيه مراراً بأننا جميعاً بشر بالمقام الأول، ولسنا هندوساً أو مسلمين أو مسيحيين، وبأننا متشابهون ولسنا مختلفين عن بعضنا البعض، وطلب أن نعيش بلطف على هذه الأرض بدون أن ندمر أنفسنا أو بيئتنا؛ كذلك أوصل إلى مستمعيه إحساساً عميقاً باحترام الطبيعة.
تجاوزت تعاليم ” كريشنامورتي ” الأنظمة العقائدية التي وضعها الإنسان والشعور القومي والطائفي. وفي الوقت نفسه أعطى معنىً مختلفاً واتجاهاً للبشرية في بحثها عن الحقيقة. تعاليمه، إلى جانب أنها مرتبطة بالعصر الحديث، هي أبدية وكونية.
تكلم كريشنامورتي كصديق وليس كمعلم روحي، ولم تقم أحاديثه ونقاشاته على أساس المعرفة التقليدية ولكن على أساس تبصرّه في الذهن البشري ورؤاه عن المقدس، ولذلك كان تواصله يقوم على إحساس من الحيوية والمباشرة بالرغم من أن رسالته بقيت على حالها طوال الوقت. عندما كان يتوجه بخطابه إلى جمهور كبير، كان الناس يشعرون بأنه يتكلم إلى كل منهم شخصياً على حدة. لقد كان معلماً شغوفاً أثناء مقابلاته الخاصة، يستمع بحساسية إلى الإنسان القادم إليه بأسى وألم، مشجعاً إياه على شفاء نفسه من خلال فهمه الخاص. لقد وجد المعلمون الروحيون أن كلماته سلطت ضوءاً جديداً على المفاهيم التقليدية.
كريشنامورتي أخذ على عاتقه التحدي مع العلماء والنفسانيين المحدثين، وسار معهم خطوة بخطوة، ناقش نظرياتهم وأحياناً أتاح لهم رؤية قصور هذه النظريات.
ومن أقوال هذا الفيلسوف الكبير :
(( لقد تعلمنا أن كل الطرق تقود إلى الحقيقة، وهذا يبدو – عندما تنظر إليه – سخيفاً جداً، لأنه ليس للحقيقة درب محدد، وهنا تكمن جمالية الحقيقة، إنها حية، الشيء الميت يملك طريقا إليه لأنه ساكن، خامد، ولكن عندما ترى أن الحقيقة حية ومتحركة وغير مستقرة في أي معبد أو مسجد أو كنيسة، حيث لا دين ولا معلم ولا فيلسوف، ولا أحد يستطيع أن يدلك عليها – حينها سترى أن هذا الشيء الحي هو أنت بالذات – غضبك وقسوتك وعنفك ويأسك، الألم والعذاب والأسى حيث تحيا. والحقيقة تكمن في فهم كل هذا)).
***
((فعلياً نحن لا نعرف الحب، وإنما نحن عاطفيون، حسِّيون، انفعاليون وجنسيون، لدينا ذكريات لشيء نعتقد أنه حب ولكن فعلياً وبقسوة، نحن لا نعرف الحب. لأنه أن تعرف الحب يعني لا عنف ولا خوف ولا تنافس ولا طموح)).
***
(( إذا لم تكن في وصال مع أيِّ شيء فأنت إنسان ميت. عليك أن تكون في وصال مع النهر، مع العصافير، مع الأشجار، عليك أن تكون في وصال مع جارك، مع زوجتك، مع أولادك، مع زوجك. وأعني بالوصال عدم تدخُّل الماضي، بحيث تنظر إلى كلِّ شيء نظرة نَضِرة، جديدة، – وتلك هي الطريقة الوحيدة للوصال مع شيء ما، بحيث تموت عن كلِّ شيء من الأمس. وهل هذا ممكن؟ على المرء أن يكتشفه، لا أن يسأل: «كيف لي أن أفعله؟» – فما أحمق هذا السؤال! سؤال من يريد النتيجة فقط دون فعل)).