عازف من ذهب .. مراد داغوم
|| Midline-news || – الوسط …
.
الموسيقي العربي الوحيد الذي امتلك آلة موسيقية من الذهب الخالص، ويستحق ذلك عن جدارة، هو “سمير سرور” المصري، وقد أهداه أحد أثرياء مصر ساكسفون من الذهب الخالص.
لم أكن أعرف ما هو الساكسفون عندما سمعت لأول مرة أغنية (فات الميعاد)، كنت قد تجاوزت مرحلة الطفولة بقليل. ما عدت أذكر تحديدا هل سمعتها في بيت عمتي في دمشق خلال إحدى زياراتي الصيفية وقد اعتدت أن يُسمعني ابن عمتي أغنيات من أسطواناته على البيك آب، أو في النادي العائلي بحماة حيث اعتدت في فترات الظهيرة بعد المدرسة أن أعبث بجهاز البيك آب الموجود في خزانة خاصة إلى يمين الصالة. أقول هذا لأن ما أذكره هو أنني سمعت الأغنية بدون تصفيق جمهور، وبصوت نقي جداً دفع قلبي أن يرقص قبل قدمي على جملة الساكسفون والتي يرافقها إيقاع مدهش يشبه كثيراً إيقاع الأغنيات الأجنبية التي كنت أسمعها أيامها بدون أن أعي أنها “لاتينية”، كل ما وعيته أنها رائعة، وكفى.
تلك الأيام، كانت الفرق الموسيقية العسكرية هي المصدر الوحيد تقريباً لعازفي آلات النفخ النحاسية، ومنها انطلق “سمير سرور” إلى عالم الكبار حيث احتكره بليغ حمدي بعد أن سمعه في أحد محال شارع (محمد علي)، ومن يومها قدم سمير أروع صولويات الساكسفون من ألحان بليغ، لأم كلثوم وعبد الحليم وشادية ونجاة ومحمد رشدي وفايزة أحمد وغيرهم الكثير.
أول ساكس فون امتلكه سمير سرور كان هدية من والده، ولشدة فرحه به أخذه في حفل لكنه نام، وعندما استيقظ وجده مكسورا بجواره، الأمر الذى أحزنه وحاول إصلاحه، لكنه لم يخرج الصوت الجميل للآلة السليمة. وعندما سافر إلى فرنسا أعطاه لشركة “سلمر” وهى أشهر شركة تصنع الساكس في العالم، وعندما شاهدوا عزفه الشرقي عليه طلبوا أن يضعوه في متحف بفرنسا خاص بالشركة، وكتب عليه “ساكس أشهر العازفين الشرقيين في العالم”، ومنحته الشركة بدلا منه آخر من نوع حديث، لأنها كانت تعرف قيمته وتعتبره من أهم العازفين فى العالم للساكس فون
أجمل الجمل الموسيقية التي حببت الناس بالأغنيات كانت من أداء سمير، صولويات (على حسب وداد قلبي، سواح، زي الهوى) لعبد الحليم، الصولو الذي أعجبني جداً هو الصولو الخاص بأغنية (قولوا لعين الشمس) لشادية، وهو عبارة عن بضع علامات قبل ختام الأغنية بقليل. وغيرها الكثير الكثير.
معاينة سمعية متأنيّة لأغنية (فات الميعاد)، تكفي الدقائق العشرة الأولى لتعاين الحقائق التالية :
– التمثيل التشابهي للآلات اللاتينية الإيقاعية، أعجبتني طريقة وضع آلة الرق على الركبتين والضرب على حوافها باليدين. بالإضافة لاستعمال آلة البونغوز اللاتينية. عازف الطبلة يمسك آلة “المثلث” ويراقب بقلق بطرف عينه بقية الفرقة.
– عازف الكيتار الكهربائي لم يكن “عمر خورشيد” كما يعتقد البعض، بل “عبد الفتاح خيري” وهو عادة عازف كمان في فرقة أم كلثوم، وهو أول “أزواج” فايزة أحمد.
– على الناي “سيد سالم علي”، العملاق “أحمد الحفناوي” على الكمان الرئيسي، وعلى القانون “عبده صالح”.
– الملك “فاروق سلامة” على الآكورديون يجلس بجانب الملك “سمير سرور” على الساكسفون بكل أناقة، وبكل رشاقة “الصايعين” (*) المصريين.
– بالرغم من البروفات والتدريبات المتعددة لفرقة أم كلثوم على أغنياتها، هفوات واضحة في التزمين والإعادات تمر بدون انتباه. رصدت الكاميرا التفاتتين لعازف التشيلو وعازف القانون ناحية آلات الكمان عند “تخبيصة” بسيطة لأحد العازفين.
الأغنية من كلمات “مرسي جميل عزيز، وألحان بليغ حمدي.
ملاحظة: كان محمد عبد الوهاب يحرص على حضور أول عرض لأغنية جديدة لأم كلثوم من ألحان بليغ.
(*) يطلق المصريون على العازف البارع لقب (صايع).
.
*(ملحن وباحث موسيقي – سورية).
.
.