“شعبي مصر -1” .. مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط …
.
لمصر خصوصية تميزها عن بقية الدول العربية، خصوصية سلَّمتها زمام الريادة، بل القيادة، في الكثير من الشؤون الفنية المختلفة ومن بينها الموسيقا والغناء.
لئن لعبت الصدفة دوراً أساسياً في وصول كبار فناني الأردن وفلسطين إلى إذاعات تلك الفترة، تميزت مصر في منتصف خمسينات القرن الماضي بتوجه إذاعاتها نحو عمق الأرياف بحثاً عن أصحاب المواهب الذين اعتمدهم الشعب أعلاماً لمناسباته وأفراحه. فقد قام “زكريا الحجاوي” برحلات متعددة في الريف المصري، واستقدم منها إلى القاهرة المغني الشعبي المعروف “محمد طه“، ومحمد أبو دراع وإبراهيم خميس وفاطمة سرحان وجمالات شيحا، والمغني الشعبي الشهير الريس متقال، والمغنية “خضرة محمد خضر” التي تزوجها فيما بعد.
غطت رحلة الحجاوي كل أقاليم مصر، فأغنيات محمد طه ومواويله مثلت بيئة الفلاحين والدلتا، بينما مثلت أغنيات الريس مثقال أغنيات الصعيد.
الأمر الآخر، المميز لمصر آنذاك، هو السينما منذ خمسينات القرن الماضي، وتلك الحفلات العامة الواسعة التي كانت تقيمها التلفزة المصرية تحت مسميات عدة في الستينات، مثل “أضواء المدينة” وغيرها. أوصلت السينما المصرية العديد من المطربين الشعبيين إلى الناس، مثل “محمد قنديل“، أما الحفلات التلفزيونية فقد أوصلت خلال سنة واحدة مغنيّاً شعبياً إلى أوج الشهرة، هو “محمد رشدي” الذي جابت أغنياته “عدوية” و “عرباوي” الآفاق العربية عبر “حفلات أضواء المدينة. وكان الفضل للراقصة العظيمة “نجوى فؤاد” أن قدمت المطربة “فاطمة سرحان” ضمن استعراضاتها.
وكاستثناء حاد من هذه القاعدة، برزت نجومية كاسحة لمغنين شعبيين ساهم الجمهور وحده في نجوميتهم، مثل المطرب “أحمد عدوية” الذي تعرض لمهاجمة قوية من أهل الغناء المصري في بداياته بالرغم من جمال صوته واتساع مساحته، وروعة أدائه، فانتشرت أغنياته في أصقاع الدول العربية كافة قبل أن ينال مؤخراً اعتراف “الطبقة” الموسيقية المصرية بحقه وبمقدرته عندما غنى له كبار نجوم العرب والمصريين. وذلك قبل أن يعترف أولي الأمر الفني في مصر بأن الغناء الشعبي هو فرع فني ذو سيادة جماهيرية واسعة وأن وجوده ليس عبثياً بل هو تحقيق لتوجه جماهيري واسع نحو ما “يلزم” سماعه في أوقات لا يمكن للطرب وحده أن يفي بمتطلبات السماع المختلفة.
لم يقتصر تقديم الأغنيات الشعبية على المغنيين الشعبيين، بل اهتم كبار النجوم بتقديم أغنيات من النوع الشعبي من ألحان كبار الملحنين المصريين، فاستلهم “بليغ حمدي” من الفولكلور الصعيدي الكثير من أغنياته مثل “سواح” و “على حسب وداد قلبي” و“أنا كل ما قول التوبة” لعبد الحليم حافظ، و“متى أشوفك” لمحمد رشدي، و“خدني معاك” وقولوا لعين الشمس” لشادية، وغيرها الكثير. كما قام الكبير محمد عبد الوهاب بتلحين العديد من الأغنيات بالقالي الشعبي المعروف مثل أغنية “الوي الوي” لعبد الحليم حافظ، واستعار من الفولكلور الصعيدي “خدني معاك” لياسمين الخيام.
وكان للأحداث السياسية أثر بالغ في ظهور أغنيات وطنية أصبحت جماهيرية وشعبية في مصر وتعدتها إلى الدول العربية مثل “أحلف بسماها” لعبد الحليم حافظ، والأناشيد الجماعية التي لحنها محمد عبد الوهاب.
كنت في مقال سابق قد تعرضت لما فعله “حميد الشاعري” بالأغنية الشعبية المصرية وبعدها العربية بشكل عام منذ بداية تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم (*)، الفترة ذاتها التي برز فيها نجم شعبي مصري زلزل عروش الغناء آنذاك وهو المغني الشهير “حكيم” بسبب الانتشار الجماهيري الواسع لأغنياته، وكان تقريباً خطوة مكملة لما بدأه “أحمد عدوية“.
وفي يومنا، استمرت السينما المصرية بتقديم الشكل الأرفع للأغنيات الشعبية المصرية، سأحاول تغطية ذلك بالتفصيل في مقال قادم بعد هذه المقدمة الضرورية للدحول إلى الغناء الشعبي المصري.
.
*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا)
الروابط:
(*) الأغنية الشعبية الحديثة 3
الريس مثقال – الأغنية الشهيرة “بص على الحلاوة“.
https://www.youtube.com/watch?v=4sCyyIFELnY