شائعة موت ، شائعة حياة! .. أحمد علي هلال
|| Midline-news || – الوسط …
مؤخراً انتشر نبأ وفاة الفنان المصري الكبير حسن حسني… فهل الموت مزحة ثقيلة الظل أم أنه إعادة اكتشاف للإنسان ليكتشف الحياة أكثر، وما بين دعابات العالم الافتراضي وجديته تمضي الحياة غير آبهة باحتمالاتنا، وبما يذهب إلى يقينها رغم كثرة الارتياب.
فمن مفارقات العالم الافتراضي، أنك ربما تفاجئ «بنعيك» على حين غرة، فتضع إعجاباً وتمضي لتتقبل العزاء بك، وعليك أن تُبدي الكثير من الأسف على حياة لم تعشها حقاً، وعلى ما فاتك من فرح، فأنت الذي سُرقت من الحياة لأجَلِكَ المسمّى، وسوف تكون في العالم الآخر أكثر راحة وسينشغل الجميع بمآثر وجدت ولم تُوجد، لكن أن تكون أنت من يقبل العزاء بك، تلك والله كبرى المفارقات!.
ولعل ذلك يحدث دون الحاجة إلى استدعاء متخيل الإبداع، فقد أصبح الواقع بذاته تلك الرواية المفتوحة بلا حدود، إذ نتبادل أدوار الموت والحياة في نص واحد، لكنه متشعب بما يكفي، وعلى ذلك جاءت شائعة «موت» الأديب الكبير حنا مينة، والذي شُبه بـ همنغواي العرب في وقت ما، والأدل هو حنا مينة وكفى.
وجرى في «العالم الافتراضي» نعي كثيف، وعلى استحياء ربما يذكر العالم بأن ثمة مبدع بحجم –مينة- يستحق الالتفات إليه، ويبدو وأننا في قلب مفارقات الموت والحياة، فقط الموت هو من يذكرنا بمآثرنا ومآثر غيرنا، فليست المسألة هنا إذن في دحض رواية ما أو نفيها، أو اثباتها، لأن سؤال الموت هو من يطال الأحياء قبل الأموات، فهل هم كائنات حية بمعنى أنها تعيش حياتها كاملة دونما انتقاص، فالموت ليس شُبهة الأموات، وإنما هو شُبهة الأحياء.
صحيح أنه لا رادَّ للقدر المحتوم لكن السؤال مرة أخرى، هل ننتظر أحداً «ليموت» حتى نسترد براءته ونذكر غيرنا بما كان عليه؟.
ذلك الذي عاش في كل شخصياته والطريف هن أنه سُئل، ذات يوم عن عدد شخصياته، فأشار بأنه لا يعرف حتى اللحظة كم عددهم، مع أنهم يقيمون معه ويتبادلون معه الحياة، إذن ليست القضية بشائعة الموت صدقها أو كذبها… إنها في توكيد الحياة التي يعيشها المبدع في غير عمره، ليكون خلود الأثر هو استدعاء جديد لعشبة جلجامش، التي ملأت فضاءات الإبداع، وأصبح المبدعون صيرورة إبداعية، بل وحياتية أيضاً، إذ إن تغير الشكل والمقام، هو تغير بقصد إحراز الحياة ذاتها، لتكون امتداداً، فكم من حيوات عشناها لمن كانوا بيننا كضوء كثيف وتبادلنا وقائعها، كأنها هي أعمارنا الحقيقية.
كان حنا مينة يردد على الدوام، بالخطأ ولدت وبالخطأ كتبت وبالخطأ أعيش، فهل يمكن اعتبار «شائعة الموت» في هذا السياق خطأ إضافي، خطأ لا يرتبط بالرغبة أكثر من ارتباطه بالواقع ذاته، الذي جعل الموت متوالية حسابية لا تقف عند أحد بعينه، بل تتجاوزه إلى غيره في منايا مازال خبطها عشواء، على حد قول شاعرنا العربي زهير بن أبي سلمى.
حنا مينة سيفاجئنا بأنه من عاش طويلاً في روايته الكبيرة –الحياة- وبرفقة كل شخصياته ذلك «الطروسي» سادن البحر بل هو البحر بذاته، فكم ملكنا مهارة الغوص في أعماقه، وكم ظل البعض البعض على الشواطئ حائرين، هل يدخل مجازفة النزول إلى القيعان الغائرة، التي صنعها أدب عظيم، وقبل ذلك فكر عظيم، مازال يدعونا للقراءة بوصفها مغامرة كالكتابة ذاتها، كمغامرة طليقة، وهي تستقرئ الأزمنة والأمكنة والأفكار والناس، في معادلة كفاحهم المفتوح وأفراحهم المسروقة، ذلك هو شأن صانع الفرح، وملهم الكفاح الإنساني في مدوناته الروائية الشديدة الاحتفاء بالحياة، على الرغم من أن الموت سيمر خجلاً في بعض فصولها، فمن كان مشغولاً بصنع الحياة ومن «تعثر بأسبابها» يملك أن يعيش بشخصياته لأنها كانت عمره الإضافي الذي «صحح خطأه» لكنه في الصواب الأخير وما بين شهقة الميلاد واستيهامات الموت يظل كما حكاياته، عيون مفتوحة على مطلق المعنى: ليس الصواب أن تموت لتثبت أنك قد عشت هذا القدر الهائل من الأحلام بالحياة!.