روحاني في بغداد …غرب إيران بوابة نصف مفتوحة
|| Midline-news || – الوسط …
قبل عام تماما ,في آذار لعام 2018 أعلن وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيم ماتيس أن “هناك أطرافا في حركة طالبان الأفغانية ,والمصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية ,منفتحة على الحوار مع الولايات المتحدة”, وفعلا انطلقت المفاوضات العلنية في منتصف العام الماضي بعد جولات من المفاوضات السريّة استمرت قرابة الثلاثة أشهر مع فريق من الحركة الذيي كان معظمهم معتقلا في السجون الأمريكية, بالرغم من أن حركة طالبان والقاعدة هي مشروع أمريكي لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي .
المهم في هذه المفاوضات ,بعيدا عن الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان, لا يمكن فصلها عن السياسية الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية, حيث أنها,أي المفاوضات, تزامنت من قرار الرئيس الأمريكي ,دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وبدء موجة جديدة وغير مسبوقة من العقوبات الأمريكية على طهران عدا عن وجود طالبان في أفغانستان على الحدود الشرقية الإيرانية, وهذا يعني بالمجمل محاولة من الولايات المتحدة استخدام طالبان ضد إيران في قالب معاداة الشيعية كما كانت في السابق ضمن مشروع معاداة الشيوعية رغم الاختلاف الشديد بينهما. تدرك الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن الولايات المتحدة مستمرة في محاولات ضربها من الخارج ,وهذا ما تحصّنت له طهران عبر أسلحة وصواريخ وغواصات وتقنيات عسكرية متقدمة ,ولكن الأخطر من ذلك هو محاولات اختراقها من الداخل سواء عبر طالبان في أفغانستان أو عبر تنظيمات أخرى تنطلق من منصات عربية في الخليج جنوبا .
وشهد الداخل الإيراني في الأشهر الستة الأخيرة عمليات إرهابية استهدفت عناصر الحرس الثوري في زهدان والأهواز ,وبعض الاحتجاجات نتيجة تردي الوضع الاقتصادي وازدياد التضخم بفعل العقوبات الأمريكية على إيران . تبقى الواجهة الغربية لإيران أي العراق ومن ثم سورية وصولا إلى البحر المتوسط هي الأكثر أمنا وقدرة على مساعدة الجمهورية الإسلامية في تجاوز قيد العقوبات الأمريكية ومحاولات التطويق التي باتت واضحة وتحضر بخطى متسارعة وكذلك مد اليد لطهران ,التي وقفت إلى جانب بغداد ودمشق في حربهما المشتركة على المشروع الأمريكي الجديد “داعش ” والنصرة وغيرهما من تنظيمات الإرهاب بأسماء جديدة .
زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد أثمرت 22 اتفاقية تشمل مختلف المجالات التجارية والصناعية، والعمل على رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 20 مليار دولار سنويا. وكانت دمشق وطهران وقعتا نهاية شهر كانون الثاني من العام الجاري خلال زيارة نائب الرئيس الإيراني ,اسحاق جهانغيري اتفاقيات مماثلة وتعهدت الحكومة السورية بتقديم تسهيلات كبيرة للشركات الإيرانية في السوق السورية . هذا الخط الممتد من طهران إلى دمشق مرورا ببغداد تدرك الولايات المتحدة خطورته على مخططاته التخريبية في المنطقة ولذلك هي تعمل بكل قوة على كسر هذا الخط أو عرقلته بأي شكل كان ,وهذا ليس بسر فالولايات المتحدة أعلنت ذلك جهارا ضمن استراتيجيتها في شمال شرق سورية وتوزع قواتها على الحدود السورية العراقية وإبقاء احتلالها لقاعدة التنف السورية ومعسكر الركبان .
هذا يتطلب تماسكا بين الدول الثلاث بالإضافة إلى المقاومة اللبنانية والتركيز على الأهداف الاستراتيجية بعيدا عن التوترات السياسية والمعارك الجانبية التي تعمل عليها الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ضد إيران ومن يقف معها. العراق اليوم هو ساحة تجاذب إن لم نقل صراع كبير بين طهران وواشنطن ,إذ تحاول واشنطن استمالة بغداد لحلفها في مواجهة إيران أو على الأقل إضعاف التعاون بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والخدمية ,ولكن زيارة الرئيس روحاني إلى بغداد وهذه الحفاوة الكبيرة في الاستقبال تؤكد أن خطط الولايات المتحدة لن تؤتي أوكلها ولن تخدع العراقيين .
فهو في بغداد صديق وحليف ويمكن القول إنه شقيق ,بينما الأمريكي محتل وغاصب ومعتد, وهذا يبدو واضحا إذا ما قارنا زيارة روحاني للعراق بزيارة ترامب في الـ 27 من شهر كانون الأول الماضي إلى العراق ,فهو تسلل كاللصوص تحت جنح الظلام إلى قاعدة “الأسد” العسكرية الأمريكية وغادر دون أن يلتقي أحدا من مسؤولي الدولة العراقية, بل حتى أنه حاول التعامل معهم كموظفين في إدارته من خلال طلب حضورهم إلى القاعدة للقائهم ,فهو أجبن من أن يزور بغداد أو يلتقي أهلها وقادتها في ضوء النهار.
رسائل زيارة روحاني إلى بغداد وما تم الاتفاق عليه وصلت إلى الأمريكي من خلال آذانه المنتشرة في العراق, وسيعلم أنه ليس من السهل عليه إغلاق البوابة العراقية في وجه إيران ,لكنه سيحاول قدر المستطاع عدم تركه مفتوحا على مصراعيه لأن ذلك يعني نهاية مشروعه المعادي لإيران ومحور المقاومة بشكل عام والذي يشكل العراق أحد أهم جسوره اليوم .
وبالتالي يمكن أن يسرع ويصعد الأمريكي خطواته الإرهابية في المنطقة لإعادة خلط الأوراق وعدم ترك المجال أمام تعاظم قوة التعاون والتواصل بين إيران والعراق وسورية وحزب الله في لبنان ويعيد نشر الإرهابيين الذين نقلهم من مناطق شرق الفرات السوري إلى أماكن أخرى أو إعادة تدويرهم بأسماء جديدة, فالجبهات الجنوبية في الخليج والشرقية في أفغانستان وباكستان تحت السيطرة الأمريكية ,أما التركي فالبورصة تحدد خياراته.
وسام داؤد صحيفة العربية العراقية