رمـاد الـعـيـون وأربـعـاء الـرمـاد .. بـشـار جـرار – واشنطن ..
|| Midline-news || – الوسط …
كفى “ذراً للرماد في العيون”، أرفعها بوجه المقللين من شأن مصابنا الجلل المتكرر على امتداد أوطان أمة “الضاد” أو لعلها أمة “التضاد”؟! فما شهدته مقبرة مسيحية في “مادبا” قرب العاصمة الأردنية عمّان من “تدنيس”، أمر ينبغي التوقف عنده مرة أخرى أتمنى أن تكون الأخيرة.
لسنا في الأردن أول ولا آخر من ابتلي بأولئك المدنسين أو المندسين الآثمين. فقد عاث “أنصار الشريعة” في ليبيا الفساد في مقبرة مسيحية وأخرى يهودية بعد سنوات من إسناد الناتو للإسلاميين “المعتدلين” الذين أطاحوا الطاغية القذافي وطاغوت لجانه الشعبية الثورية.
وكذلك فعل فصيل من الآثمين عرفوا بالدواعش في العراق وسوريا لكنهم زادوا في “جهادهم واجتهادهم” فساووا بين الملل والنحل كافة، فنبشوا قبور مسلمين من مذاهب أخرى أخرجوها ليس فقط من “أهل السنة والجماعة” بل من “الملة” المحمدية كلها، والإبراهيمية الحنفية أيضا – نسبة إلى الأحناف لا الحنفيين!
وكديدنهم الذي يبعث على الحنق والأسى أكثر من الصفح والأسف، تنبري جماعات “الضغط” من لوبيات منتظمة وغير منظومة بتسخيف الاعتداء، بالقول إن من قام بالتدنيس لم يقدم على فعلته هذه كفعل كراهية للآخر ولا كعمل تطرف وإرهاب وإنما بدافع السرقة؟، يا إلهي يريدون “عولمة” إرهابهم وإجرامهم ورده إلى أصول عرفتها بلاد أخرى بعيدة كأوروبا أيام العوز والحروب العالمية والأهلية.
ويتشدق فريق آخر، بنظم قصائد التعايش والعيش المشترك صاباً جام غضبه على ما يلقاه المسلمون في بلاد “الفرنجة” من تضييق وتمييز، متناسين قيام بعضهم وهو لاجئ يتقاضى العون المالي من الدولة وهيئات خيرية بينها كنسية، قيامهم بتدنيس مقابر المسيحيين واليهود ومشاركة اليمين المتطرف النازي في أعمالهم “المعادية للسامية”.
من جميل ما تداوله المحزونون والمحرجون مما جرى في “مادبا” التي أسسها أجدادي المؤابيون في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، نبش “ناقد” لفتوى نشرها موقع “ديني” إلكتروني “يبيح” فيه نبش قبور غير المسلمين. لم يصدمني مصدر تلك الفتوى الآثمة وهو في أحد “بلاد العرب أوطاني”، فقد عرفت عن قرب جيلاً ثانياً من المهاجرين العرب والأعراب في بريطانيا وأمريكا أوصوا بعدم دفنهم سوى في مقابر المسلمين على أن يُراعى الفصل بين الأموات الذكور والأموات الإناث!
ولكلٍ فتواه! ولكم أن تتخيلوا “لماذا يكرهوننا” في معظم دول العالم على غرار تساؤل الصحفي الأميركي اليهودي ذائع الصيت وسليط اللسان توماس فريدمان في عنوان مقالة له إثر اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية، والحق أن الناس تتوجس منا ريبةً وخوفاً إثر تفشي الجرائم والإرهاب المنسوبة لنا “كمنطقة” قبل أن نكون أديانا أو أعراقا أو ثقافة.
ليس سراً أن الحرج بلغ لدى كثيرٍ من المهاجرين الشباب ممن يقول إعلامنا (مسؤولونا ومشايخنا) بأن الجناة “لا يمثلون إلا أنفسهم” ولا يمتون إلى “العروبة أو الإسلام” بشيء، بلغ حد تغيير الزي والهيئة واللسان وفي كثير من الحالات الديانة، سراً أو علانيةً، تنكراً وازدراءً أو اعتناقاً وإيماناً ..
ما جرى في “مادبا” التي كانت تضاهي القدس مكانةً في العصور المسيحية المبكرة، مُصابٌ جلل آخر.
تكاد لا تمر أشهرٌ إلا أتى أو أوتي بمن يفعل ما يندى له الجبين .
سأتكلم عن تجربتي الشخصية وأضرب لكم مثالين ليس من حقي الخوض في تفاصيلهما احتراماً للخصوصية.
الأول، عندما وصلت نيران “الربيع العربي” المشؤوم إلى سوريانا الحبيبة، شهدت شريط فيديو متداولاً على منصات “التواصل” الاجتماعي ردد فيه “الثوار الإسلاميون المعتدلون” هتافا أحرج مموليهم، وقد كان الهتاف في سجع مخز وصادم: الـ(اسم طائفة) في التابوت والـ(اسم طائفة أخرى) على بيروت.
ما زاد غضبي من المنخدعين بهؤلاء الخونة الإرهابيين هو تبرير “أخ” من إحدى الطائفتين المذكورتين لما جرى كونه بحسب زعمه من مخططات “النظام” ونتائج حكمه “الطائفي”!
الثانية بعد أن مرت السنوات وسقطت الأقنعة تباعاً، ففقد أحد الأخوة من البلاد ذاتها والطائفة ذاتها أحد أفراد أسرته. كان مهاجراً من الجيل الثالث إلى أميركا. كانت وصية الفقيد نقل “رماده” إلى وطنه الأم سوريا بعد إحلال السلام ودحر الإرهاب وقد كان واثقاً من النصر.
أتساءل من وراء سبعة آلاف ميل بحري، هل نأمن على “رمادنا” أو “رفاتنا” في بلادنا الأم إن أوصينا بذلك؟.
واختتم من حيث ابتدأت وأقول: كفانا ذراً للرماد في العيون، فلو تعلموا دين الأخَر وثقافة الآخَر لأحبوه وكرَّموه حياً وميتاً. لو عرفوا فقط شيئا عن “أربعاء الرماد”.
ولمن لا يعرف “أربعاء الرماد”، فذلك يومٌ تُحرق فيه سَعَف أحد شعانين العام الماضي لترسم برمادها إشارة الصليب على جباه المؤمنين، فيما يذكرهم الكاهن بما يلي: اذكر يا ابن آدم أنك خلقت من التراب وإليه تعود ..
يا رب ارحم فإنهم لا يعلمون على من يتجنّون وماذا سيجنون ..