دمشق .. مظاهرة جامعية لم تكتمل .. هل غد سورية بخير !؟..
|| Midline-news || – الوسط ..
*وسام داؤد ..
في مقال سابق تناولت مرحلة إعادة الإعمار والمؤسسات الهشّة غير الفعالة وإلى أين ستودي بنا ,واليوم أتناول تجليات خطيرة على واقع السوريين لهذه المؤسسات ومنها المؤسسة التعليمية والأكاديمية ووزارة التعليم العالي .
بتاريخ الثامن والعشرين من شهر آب من العام الحالي وحوالي الساعة الواحدة ظهراً تغير المشهد في ساحة الأمويين في قلب العاصمة دمشق ، لم تكن الساحة على طبيعتها الدائمة المزدحمة بالسيارات وشرطة المرور المنتشرة لتنظيم السير وضبط المخالفات ، في هذا التاريخ كانت الشرطة العسكرية – المختصة في ضبط المخالفات العسكرية فقط – هي من تحرس الساحة على جميع مداخلها ومخارجها ,مع وجود عدد من الحافلات البيضاء المتوقفة مقابل باب حديقة تشرين وفي داخلها شبان لا تتجاوز أعمارهم الـ 25 عاما , وبنظرة سريعة على ما يجري ظننا أنها حملة من حملات التفييش لضبط المتخلفين عن الخدمة الإلزامية في الجيش أو المتخلفين والهاربيين من الخدمة الاحتياطية قبل عملية تحرير إدلب, كما كان يجري عادة قبل كل معركة كبرى يخوضها الجيش السوري ,وكانت آخرها في بداية العام 2018 أي قبل بدء عمليات الجيش لتحرير الغوطة الشرقية.
وصلت إلى مكان عملي المطل على ساحة الأمويين ولأن المشهد في الساحة استثنائيا لم نعد نألفه بعد الإرتياح الأمني والعسكري الكبير في دمشق وريفها ,وحتى في المحافظات الجنوبية الغربية, استفسرنا عما يجري في ساحة الأمويين ولماذا كل هذا التشديد والدوريات؟
وهنا كانت المفاجئة المتوقعة , طلاب جامعة من دمشق كانوا بصدد تنظيم مظاهرة للمطالبة بدورة امتحانية تكميلية بعد ما أعلن وزير التعليم العالي الدكتور عماد نداف ,عن عدم منح هؤلاء الطلاب كما في الأعوام السابقة دورة تكميلية للعام الدراسي 2017 – 2018 نتيجة تحسن الوضع الأمني والسياسي في البلاد .
أُحبطت المظاهرة في مهدها وتم اعتقال من دعوا إليها لعدم حيازتهم الترخيص اللازم من “الجهات المختصة” ليفرج عنهم لاحقا بتوجيه من رئيس الجمهورية حسب ما تردد، المشكلة لم تعد في المظاهرة ومن دعا إليها وقضية الدورة التكميلية لطلاب الجامعات وأحقيتهم بها, إنما المشكلة هي في طريقة تعاطي وزارة التعليم العالي مع هذه القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام تشغل بال طلاب الجامعات وبال السوريين بشكل عام ,وقضايا أخرى أكثر دقة و أهمية تتعلق بمنظومة التعليم العالي في سورية بشكل عام والفوضى العارمة فيها والتي يجب أن تكون أكثر القطاعات وضوحا وتنظيما ودقة في معالجة الأمور كونها المورد الأساسي للكفاءات اللازمة للقيام بعملية النهوض والتنمية الاقتصادية والمجتمعية,وهنا لابد من توضيح بعض الأمور في قضية الدورة التكميلية التي طفت على السطح كرأس جبل جليد ضخم وقضايا أخرى في التعليم العالي .
أولا , الاستمرار لسنوات طويلة – سبع سنوات – في تكريس حالة الإستثناء ومنح الطلاب هذه الدورة التكميلية جعل الإستثناء يتحول إلى نظام دراسة ومنهج عمل بالنسبة لطلاب الجامعات السورية العامة وتقسيم مقرراتهم الدراسية على ثلاث دورات امتحانية للترفع أو النجاح ,وهذا تتحمل مسؤوليته وزارة التعليم بوزرائها المتعاقبين ,وفي هذا العام كان لابد من إعادة الوضع إلى حالته الطبيعية وإلغاء الاستثناء بإنتفاء الظروف الإستثنائية التي فرضته -رغم التحفظ عليها في قطاع التعليم فقط- وهذا الذي جرى ,ولكن سوء التصرف من قبل وزارة التعليم في هذا الموضوع فاقم المشكلة وأوصلها إلى حد التظاهر فكان يجب على الوزارة إخطار الطلاب بأن الوضع عاد لطبيعته ولن يكون هناك استثناءات أو دورة تكميلية هذا العام في توقيت مناسب يجعلهم يعيدون جدولة أولوياتهم أو تكثيف جهودهم للخروج من حالة الكسل والإهمال التي تعودوا عليها في السنوات السبع السابقة ,وكان يجب تقييد هذا الإستثناء دائما بمن التحق بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطبة في الجيش ,وهنا يمكن أن نسأل عن دور اتحاد الطلبة والذي يفعله لمصلحة الطلاب؟ فهو ممثل بمجلس الشعب ويصرف عليه ملايين الليرات ,أم أن دوره انحصر في المسائل الترفيهيه وتنظيم الحفلات والاحتفالات .
ثانيا, معالجة وزارة التعليم العالي لقضية بسيطة وسهلة بهذا المستوى ولا مبالاتها بطلاب الجامعات يكشف عن عقم عقلية الإدارة في هذا القطاع الإستراتيجي وكيفية تعاطيها مع المشاكل الطارئة بفعل الحرب والمتراكمة بفعل الإهمال المتعمد أحيانا من السنوات السابقة ,والدليل على ذلك وقبل قصة الدورة التكميلية, ما صدر عن مجلس التعليم العالي بضرورة تقديم طالب الدكتوراه شهادة غير موظف كشرط للتسجيل وهذا يعني حرمان معظم ذوي الدخل المحدود من التسجيل في الدكتوراه ولو كان يستحق ذلك ومؤهلا لنيل هذه الشهادة, وهذا يحرم يتناقض مع وجود الحاجة الملحة لحملة شهادة الدكتوراه والأكاديميين في جميع الاختصاصات وفي كل القطاعات ,كون الذين أوفدتهم وزارة التعليم العالي لم يعودوا إلى سورية بفعل الحرب عدا عن هجرة وهروب الكثير من أصحاب شهادات الدكتوراه بفعل الحرب وتدني مستوى المعيشة والأجور ,ويمكن أن يعيد الصراع الطبقي إلى حقبة الخمسينات حين كان التعليم الجامعي والعالي محصورا في الطبقات البرجوازية والأثرياء.
ثالثا, بالنسبة للكادر التدريسي وأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات السورية التي يتم التعاطي معها بمزاجية وانفعالات وانتقائية فهناك الكثير من الكليات والأقسام التي تحتاج لعدد كبير من الأساتذة والأساتذة المساعدين لتغطية الإختصاصات التي تدرس في الكليات والجامعات وتستعين بالمعيدين وطلاب الماجستير وحتى من أصحاب الخبرة العملية كما في كلية الإعلام ,ولا يتم تعيين الكثير من حملة شهادة الدكتوراه . فوزارة التعليم العالي تعلن عن مسابقة لتعيين أعضاء في الهيئات التدريسية في الكليات والأقسام بموجب مجالس لهذه الكليات ولكن لا يتم التدقيق فيها أو مسائلة هذه المجالس عن قرراتها ,ففي المسابقة الأخيرة لم تطلب هذه المجالس تعيين أحد رغم أنها تستعين بمستويات علمية أقل من شهادة الدكتوراه للتدريس في كلياتها .
رابعا , بالنظر إلى البنود السابقة وأخرى لم نتطرق لها جعل من جامعاتنا في ذيل قوائم الجامعات العالمية وفق التنصيف الذي جرى مؤخرا وتراجع 4000 درجة حسب تصنيف “ويب- ماتركيس العالمي” للجامعات وهذا بحد ذاته جريمة كبرى ترتكب بحق سورية وعراقة جامعاتها وقيمة شهاداتها العلمية الممنوحة وبحق السوريين أجمعين .
قال الزعيم البريطاني ونستون تشرشل في نهاية الحرب العالمية الثانية ” لاتخافواعلى بريطانيا طالما القضاء والتعليم بخير ” لذا نحن لسنا بخير ولن نكون بخير طالما تعليمنا بهذا المستوى , رغم أننا انتصرنا في حربنا العالمية مثلما انتصرت بريطانيا.
*إعلامي وكاتب سياسي – سوريا
Midline-news – خاص