فضاءات

جني الهواء المرابط .. طارق عدوان ..

|| Midline-news || – الوسط ..

كانت العرب تقول مشيرة إلى عازف الآلة الوترية -ولتكن العود مثلا- : “إن فلانا يضرب على العود، أو على البربط “.. وليس يعزف، وهذا التعبير كان يسري على جميع العازفين مجيدين كانوا أم عاديين.

قد يبدو فعل الضرب هنا قاسياً ، لكنه تعبير ملائم جدا، أثبته فيما بعد مبدعو الكلاسيك العربي الشرقي في الارتجال، وأضرب القصبجي هنا مثالا”، فقد كانت ريشته غير مقلوبة، وأسلوبه يعتمد الجهار في طرح العبارة الموسيقية المرتجلة، وكانت يده تأتي الوتر مباشرة، ودون أيما مناوشة، وكأنه يدق روحه فيعصرها،لتنتح سوائل غير مرئية قابلة للتخمير، وينقلك معه إلى أعلى درجات السؤال والنشوة .. “كان يضرب على العود”..

هذا بحث يستحق الاستفاضة، وتفرد له المقالات و التفسيرات، وهذا سيأتي لاحقا، لكني هنا أستغل احتمالية عربيتي في اللغة وأنتهز احتمالية السكب والتعبير لفعل “ضرب” لأصل إلى موسيقي لا يقل عن نظرائه ممن يضربون على( آلاته) .. بل يزيد عنهم بريح مدينته .. تلك المدينة التي لريحها شكل أحصنة بحوافر من عنب ودمع ..

ضارب ضابط .. ضابط لإيقاع الريح وهي تنسكب من يديه العنيدتين ورأسه المجنون .. يجمع ألسنة طبوله بحبل المهارة ويطلقها إلى (النوتة) و البوح ، ليصبح من المجحف والمعيب أن يوصف بالدرامر أو بالبيركاشينيست أو بضارب الإيقاع، ليس بحقه فقط ،بل بحق الرنين و الصوت …

أبوه “موفق” المبتسم دوما ، صانع أنظف حلويات في شرقنا الوسخ ( و الي بنى مصر … كان بالأصل ..حلواني) وصاحب أول طبلة موزاييك في المنطقة ، كنا نتعلم منه كيف تؤخذ الجرة الصماء (الدربكة) برفق .. لتنطق ..ثم كان يطيرها ويقلبها في الهواء .. لتستقر مجددا على فخذه وبين يديه القويتين ليعود بها إلى منطق الإيقاع، معلنا إياها .. نتوء الحب .. والأنثى الأبدية … كان يعرف المرصع والإقصاق (أسماء أوزان إيقاعية) … عندما كانت الهواة تتباهى بمعرفة أن.. البلدي هو المصمودي (أسماء أوزان إيقاعيةشائعة جدا”.. أيضاً)…

تناثر الولد كالسكر من صلب أبيه ، واكتمل بمرارة الاجتهاد ، وازدان بتاج العلم بعد أن تخرج شاباً من كلية الموسيقا السورية، وأخذ ينحت دربه خطوة خطوة في بلاد صعبة .. صعبة ، حتى أعلن نفسه موسيقيا على مستوى سورية و العالم العربي ، تطلبه الأساتذة شريكا و عازفا”، وينتظره أحبته صديقا و ابن بلد وفي.

اقتحم الأنماط و الأساليب وأتقنها ، وجال المسارح السورية والعربية والعالمية، مشاركا في حياكة وجدان النغمة وعدوها وخببها مع أسماء لها الباع في تشكيل ذاكرة موسيقية ما لزمن قادم ربما، كالكبير إياد ريماوي .. وغيره.

الشاب محمد موفق شحادة ابن محافظة حماه ، منطقة مصياف المحمولة على الريح و الظرافة و الجنون و العشق والبؤس، والذي يعلن طبوله ينابيع صوت ، ويملأ بكل حرفة ذياك الهواء بين النغمة وتاليتها كمن يتلو سوراً عن قحف الجمجمة و شغاف القلب …

يكسر الماهرون من الموسيقيين الوزن الموسيقي، حيث يبقى حيز هواء النغمة ذاته لكنه يعتبأ بأصوات وطرقات خارجة عن السكب،ثم ما يلبث و ينتظم بأناقة بين يدي موهوب أنيق ومجنون في آن (جورج وسوف مثالا)، وفي هذا الحيز من الهواء يسكب المبدع جامه وبصيرته، وهاهو محمد الآن يسكب جام طفحه على دريئتين … دريئة بندقيته ودريئة صراخ موهبته ..
ويستمر …..
.
قالوا : الموسيقا.
قلت : تلوين الزمن.
قالوا : الزمن.
قلت: صفر الريح… وسفرها .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك