«ثياب الإمبراطور االجديدة» مرة أخرى! .. أحمد علي هلال
|| Midline-news || – الوسط …
تعثر على غير وجه في الزحمة وللوهلة الأولى تكاد لا تعرفه، فأي حكاية ألقت به «كمعنى على الطريق» تقترب أكثر وتحاول أن تتهجأ كلماته المرتعشة وحروفه المتشظية، لكن الوجه يذكرك بأحد ما لعلك تعرفه كثيراً، ويمكن لذاكرتك أن تستعيد شريط طويلاً باسمه وهويته وعمله، وحتى عائلته، لكنك تنظر كثيراً وتهجس بسؤالك: أعرفه لكن أين رأيته آخر مرة؟، وتتكأ على ذاكرتك من جديد ليعود شريطها هذه المرة، في تلكؤ واضح فقد اختلطت الأسماء والوجوه والذكريات بفعل ذاكرة ماكرة، تحذف وتصطفي على طريقتها دون أن تستشير أحداً.
وبالكاد أن يتذكر الرجل اسمه، هو الآخر يقول أسماء عديدة لعله واحد منها، وربما يقول -الرجل- ما يتمنى أن يكون اسمه الذي يختاره هو، وليس الذي اختير له، تقترب عدسة الذاكرة أكثر لتتقرى خطوط الوجه الحادة والنظرة الزائغة في عينين مطفأتين، والسيجارة التي بالكاد أن تشتعل، ربما لخيانة النار، وتقترب أكثر وأكثر، لتتكئ من جدي على تلك الرائحة التي قد تُميز البشر عن سواهم، فللرائحة ذاكرة أيضاً، لكن لا شيء مؤكد في وجه بلا ملامح في زحمة الوقت والأسئلة، تفرح لأن ذاكرتك اطمأنت لاسم قريب، لعله اسم هذا الرجل لتسأله ما الذي ألقى به هنا، وطرحه أرضاً، لكنه يقول لست أنا تزدحم الصفات هي صفات من نعرف تماماً، ولماذا ينفي الرجل كل ذلك، فهل أراد أن يتنكر حتى لاسمه الذي لم يختره يوماً، كمثل عشرات الأسماء التي وُجدت لأناس وكانت عبئاً ثقيلاً عليهم، لذا ففي برهة ما يحاولون التخلص منها ليطلقوا على أنفسهم أسماؤهم المشتهاة، فمثلاً يصير الضبع غزالاً، ويصير الغضب فرحاً، لكن الرجل خارج هذه المعمعة من الأسماء وحديث الذكريات يهز رأسه بغير اكتراث، عندما يحلو لمن يتذكره أن يناديه باسم ما.
ثمة طفل صرخ باسمه هو، هو ألا ترون أن الرجل عارٍ هو مجنون حارتنا، السعيد أبداً اتركوه وشأنه، أو جدوا له مأوى فالرجل لم يأكل منذ يومين، وأنتم تختلفون على اسمه و من هو.
في قصة رائعة كان اسمها «ثياب الإمبراطور الجديدة»، وهي ليس بطلاها الملك العاري والنساجان المنافقان، كان ذاك الطفل أيضاً، الذي اخترق الناس وقال للنساجان أن الملك عارٍ ولا يلبس شيئاً، ولعل الطفل الذي تذكر ذلك الرجل الضائع ، هو ذاته من رمى اسماً يعرفه ، لكنه لم يصدق أن الأقدار قد رمته هنا بعد غياب طويل، هكذا في زحمة الوقت ذاتها، وربما كان أبيه أو أخيه أو قريبه، الذي عثر عليه، إذ لم يكن المجنون هو اسمه، وإنما كما تجري العادة دائماً، أن تلصق هذه التهمة الغريبة، بالمساكين في الأرض، الذين تسمع منهم حكماً وأمثالاً طريفة، تُلخص حالنا، وأغلب الظن أن «العقلاء» لا يقولوها سوى تورية، فمن يمد اليد إذن لذلك الرجل المتعدد الأسماء، ويخلصه من إقامته في طريق الناس وفضولهم وحيرتهم الكبيرة، فهو ليس بوسعه على الإطلاق أن ينهض بفعل جسمه المتهالك، وربما كسور في أنحاء جسده إثر حادث ما، وبالكاد تخرج أناته كسيرة، ليترك للآخرين أن يجعلوه أحجية ، يبذلون الوقت لفك لغزها، فيما يظل الرجل ضائعاً في اسمه وعنوانه وهويته، وليس فقط أسمائه التي لم يعثر عليها أحد.
لقد حار يوماً روائي عالمي هو أمبرتو ايكو في كتاب ذائع الصيت كان عنوانه «اسم الوردة»، فقد احتار كيف يضع عنواناً لروايته، فكان أن وضع ذلك العنوان المفارق اسم الوردة ليعطي للخيال حرية الاختيار.
وربما مقايسة نقول اسم الرجل لنشي بكل الأسماء الأخرى التي تمناها ذات يوم.