تباً للقنصل .. د.محمد عامر المارديني
|| Midline-news || – الوسط …
.
لعلها كانت من أسوأ لحظات العمر تلك التي مرت علي حينما سمعت اعتذار القنصل في السفارة الأمريكية في بيروت عن عدم إمكانية منحي تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور حفل زفاف ابنتي الغالية الوحيدة رنا.
وبالرغم من قناعتي المسبقة بأن ذهابي إلى السفارة، والتقدم بطلب التأشيرة للمرة الثانية على التوالي، هو عملية تجميلية، تخفف من بشاعة الرد المتوقع، إلا أنني كنت متأملاً أن يتوه الله رأي ذلك القنصل، ويمنحني حلم ضم ابنتي العروس إلى صدري، والهمس في أذنها بكلمة مبارك.
لكن، وكما يقال في العامية، ” فشر مئة قنصل” أن يمنعني من ذلك الحلم، فقد جهزت نفسي لحضور العرس الافتراضي منذ الساعة الثانية صباحاً، مرتدياً بزة رسمية سوداء ” توكسيدو”، ومعها قميصاً ناصع البياض، وربطة عنق فضية اللون، معلناً حضوري مع ابنتي العروس، البعيدة القريبة، مراسم الزفاف.
ومع فارق التوقيت، البالغ ثماني ساعات بين دمشق ومدينة هيوستن في أمريكا، حيث مكان الزفاف، لم أسمح لعيني بالذبول، فشربت مكافحاً النعاس كأساً من الشاي الخمير، واتبعته بقرص عيار ١٠٠٠ من فيتامين سي، استعداداً وتأهباً لحضور سهرة العمر.
وبالرغم من تفاقم كرهي للقنصل المذكور خلال اللحظات الأولى من بدء حفل الزفاف، إلا أنني بدأت بعد فترة من الزمن أخفف شيئاً فشيئاً من تلك الكراهية، لا بل وددت قبل أن أخلد إلى النوم أن أغبط ذلك القنصل على كل تلك التقانات العظيمة التي جادت بها بلاده، كتطبيق “السكايب” على الهاتف المحمول، والذي مكنني من على بعد مقداره ٤٠ ألف كيلومتر من مشاهدة ابنتي وصهري، يرقصان في فرحهما، وكيف كان يقطعان معاً كعكة الزفاف، وكيف زغردت زوجتي وأختاي أحلى زغاريد الأفراح، وكيف رافق أخي الأكبر ابنتي إلى صالة العرس، وكيف كان أولاد أخوتي الصبايا والشباب يرقصون ويهللون فرحاً بالعروسين، وكيف وكيف وكيف، وأحسست حينها أنه لا يحق لنا كشعوب مستهلكة للتكنولوجيا أن نكره، أو حتى أن نحب، طالما أننا لا ننتج المعرفة.
أحبك رنا، يا قرة عيني، أنت في قلبي دم خافق معطر بياسمين دمشق، لن يبعدني عنك قنصل هنا أو قنصل هناك، لأنهم لا يعلمون أن روحي تعانق روحك، منذ أول شهيق لك في هذه الحياة، ولن يقرّبني “السكايب” منك أكثر مما أنت لصيقة بقلبي.
*أديب وكاتب.. وزير التعليم السابق- سورية