الجزائر: في مراسم استقبال رسمية..وصول رفات 24 مقاتلاً جزائرياً ضد الاستعمار الفرنسي
تعود هذه الجماجم إلى القرن الـ19 لمقاومين سقطوا في ميدان الشرف في بدايات الاستعمار الفرنسي للجزائر، والتي نهبها الاستعمار مع أرشيف فترة احتلاله للبلاد
قبل أيام من حلول الذكرى الثامنة والخمسين لاستقلالها، استعادت الجزائر التي استعمرتها فرنسا لمدة 132 عاماً، اليوم الجمعة رفات 24 من الثوار الذين قتلوا في السنوات الأولى للاستعمار، وكانت رؤوسهم محفوظة منذ عقود في متحف الإنسان في باريس.
ونقلت وكالة فرانس برس أن طائرة من طراز هرقل سي-130 حطت في مطار الجزائر الدولي بعد الساعة الأولى من بعد الظهر بقليل (12 ظهراً بتوقيت غرينتش)،حاملة رفات 24 من المقاتلين، ورافقتها مقاتلات من الجيش الجزائري.
وكان في استقبال النعوش الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وحشد من حرس الشرف.
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية أنه سيتم نقل رفات المقاومين إلى قصر الثقافة مفدي زكريا، حيث سيسمح للمواطنين غداً السبت إلقاء النظرة الأخيرة عليهم.فيما ستكون مراسم دفن الرفات يوم الأحد بمربع الشهداء بمقبرة العالية في الجزائر العاصمة، بحضور رئيس الجمهورية .
وكان المؤرخ الجزائري علي فريد بلقاضي قد أثار مسألة الجماجم في العام 2011 بعد قيامه بعملية بحث في المتحف، وأعرب عن أسفه لكونها “محفوظة في صناديق من الورق المقوى المبتذلة تشبه علب متاجر الأحذية”.
وتعتبر هذه الخطوة مؤشراً على تحسن في العلاقات بين الجزائر والدولة الاستعمارية السابقة، وهي علاقات اتسمت منذ استقلال البلاد في العام 1962 بالتوترات المتكررة والأزمات.
ويغذي هذه العلاقة المتقلبة انطباع في الجزائر بأن فرنسا لا تقوم بما فيه الكفاية لتسوية ماضيها الاستعماري (1830-1962).
وأعلن تبون أمس الخميس أمام أفراد من الجيش العودة الوشيكة من فرنسا ل”رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ورفاقهم، مضى على حرمانهم من حقهم الطبيعي والإنساني في الدفن أكثر من 170 سنة”.
وقال: “أبى العدو المتوحش إلا أن يقطع آنذاك رؤوسهم عن أجسامهم الطاهرة نكاية في الثوار، ثم قطع بها البحر حتى لا تكون قبورهم رمزاً للمقاومة”.
ولم يكشف الرئيس الجزائري عن أسماء أصحاب الجماجم، علماً أن الملف ظل يلغم العلاقات بين الجزائر وفرنسا، التي ظلت تماطل في إرجاع 37 من جماجم الشهداء الجزائريين، الذين ظلت رؤوسهم موجودة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بباريس.
وتعود هذه الجماجم إلى القرن الـ19 لمقاومين سقطوا في ميدان الشرف في بدايات الاستعمار الفرنسي للجزائر، والتي نهبها الاستعمار مع أرشيف فترة احتلاله للبلاد قبل خروجه في 5 يوليو/تموز 1962.
إذ قام الاحتلال الفرنسي بقتل بعض هؤلاء المقاومين، ثم قطّعوا رؤوسهم بعد معركة الزعاطشة الشهيرة التي خاضها المقاومون الجزائريون، بين 16 تموز/ يوليو و26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1849، بمحافظة بسكرة ( 560 كيلومترا جنوب البلاد).
ومن هؤلاء المقاومين البارزين: محمد لمجد بن عبدالمالك المعروف باسم شريف “بوبغلة”، و”رأس محنطة” للضابط الجزائري عيسى حمادي، والشيخ بوزيان قائد مقاومة الزعاطشة بمنطقة بسكرة، وموسى الدرقاوي وسي مختار بن قويدر الطيطراوي، ومحمد بن علال بن مبارك الذراع الأيمن للأمير عبد القادر الجزائري قائد أول مقاومة ضد الاستعمار الفرنسي ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
وطلبت الجزائر رسمياً من فرنسا للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير 2018، إعادة الجماجم وسجلات من الأرشيف الاستعماري.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعهّد خلال زيارة للجزائر في كانون الأول/ديسمبر 2017 إعادة الرفات البشري الجزائري الموجود في متحف الإنسان التابع للمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي.
وفي العام نفسه قبيل انتخابه، وصف ماكرون استعمار فرنسا للجزائر بأنه “جريمة ضد الإنسانية”.
ومع نهاية العام 2017، قال برونو دافيد- مدير المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، إن المؤسسة “مستعدة لدعم مسار الاسترداد”.
وشرح أن “الرفات البشرية دخلت في مجموعاتنا الأنتروبولوجية نهاية القرن التاسع عشر، عقب حلقات مختلفة مرتبطة بالغزو الفرنسي للجزائر”.
وبذلك، أنهت الجزائر وباريس، واحداً من أكبر الملفات التي أججت العلاقات بين البلدين طوال 60 عاماً فيما يتعلق بـ”ملفات الذاكرة” بعد إعلان الجزائر استرجاعها جماجم شهداء المقاومة خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1830 – 1962).
وتبقى قضية الذاكرة في صميم العلاقات المتقلبة بين الجزائر وفرنسا. وقد تبنى النواب الجزائريون أخيراً قانوناً “تاريخياً” تمّ بمقتضاه اعتماد 8 أيار/مايو يوماً للذاكرة، تخليداً لذكرى مجازر 1945 التي ارتكبتها القوات الفرنسية في مدينتي سطيف وقسنطينة (شرق).
وتريد السلطات الجزائرية أن تطرح ملف “المفقودين” أثناء حرب الاستقلال (1954-1962) البالغ عددهم أكثر من 2200 وفقاً للجزائر، وأيضاً الملف الخاص بالتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية “التي أوقعت ضحايا وما زالت”، وفق ما تقول.
وفي آذار/مارس 1962، نصت اتفاقات إيفيان الموقعة مع فرنسا على وقف فوري لإطلاق النار ومهدت الطريق لإعلان استقلال الجزائر في 5 تموز/يوليو.