وسام داؤد – واشنطن .. ألغاز عقوبات الغاز !!..
|| Midline-news || – الوسط – خاص ..
أوسع عقوبات أمريكية في التاريخ , هذا ما قاله رئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية ديمقراطية وجمهورية ساحقة على مجموعة من العقوبات والإجراءات الاقتصادية بحق روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا أيضا , ليس لأن هذه العقوبات تطال تلك الدول فقط , وإنما تشمل شركات ومؤسسات مالية تعمل مع هذه الدول وتحديدا روسيا , وبالأخص في مجال النفط والغاز .
طبعا موافقة الكونغرس على هذه الإجراءات تحتاج أيضا موافقة مجلس الشيوخ وتصديق الرئيس ترامب لوضعها موضع التنفيذ , وترامب لم يحسم قراره بعد ما إذا كان سيوافق أو سيستخدم حقه في ” الفيتو ” . سلاح العقوبات وإن كان ليس بجديد في طريقة تعاطي الولايات المتحدة وإدارتها للعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم , لكن أسئلة كثيرة تطرح وعلامات استفهام كبيرة توضع حول ما يجري داخل الإدارة الأمريكية بعد وصول ترامب , وبات واضحا أنه من الضروري فهم ما يجري من صراع كبير بين مختلف الأجهزة الأمريكية وانعكاسه على العالم برمته , ولذلك نحاول فهم ما يجري بطريقة عكسية أي من نتائج السلوك الأمريكي الذي يظهر للعلن على الساحة الدولية .
طبعا تأخذ اليوم أي خطوة أمريكية تجاه روسيا , سواء أكانت سلباً أم إيجاباً في سياقات داخلية أمريكية وأخرى متعقلة بصراع النفوذ اليوم على الخارطة الدولية , ورسم حدود لهذه المناطق سواء أكانت في الشرق الأوسط أم في العالم ككل .
على الساحة الداخلية الأمريكية لم يعد الخلاف بين إدارة ترامب من جهة ومركز قوى مالية وسياسية واستخباراتية أمريكية خافيا , وكله تحت يافطة وعنوان , الدعم الروسي لترامب في حملته الانتخابية ومساعدته في الوصول إلى البيت الأبيض . وهذا كان واضحاً في قضية استقالة مايكل فيلن من منصب مستشار الأمن القومي , بعد أقل من شهر على تقلد ترامب السلطة وفضح قصة لقاءه بالسفير الروسي في واشنطن . واستكملت عندما أعفى ترامب مدير مكتب التحقيقات الفدرالية الـ أف بي آي , جيمس كومي الذي كان يقود تحقيقا حول مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية , تلاها الضجة التي أحدثتها تصريحات ترامب أمام سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي , حول عملية سرية تعد لها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي , والتي اعتبرت معلومات سرية للغاية تهدد الأمن القومي الأمريكي , وآخر هذه الضغوطات هو تسريب قناة CNN الأمريكية معلومات حول نية وزير الخارجية ريكس تيلرسون الاستقالة بسبب خلافات مع ترامب حول إدارة عدد من القضايا الدولية وعمل وزارة الخارجية .
طبعاً كل هذا الضغط على إدارة ترامب فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا يجعله أمام خيارين هما أحلاهما مرّ :
أولهما , الدخول في مواجهة مع مراكز القوى الأمريكية في معارك وفضائح قد تودي بإدارته بأكملها .
وثانيهما , السير في مشاريع اللوبي الذي يقود هذه الضغوط على الساحة الدولية ومنها مثلاً , الدفع بترامب نحو المواجهة مع روسيا وتكريس حالة العداء معها في السياسية والاقتصاد وحتى المواجهة العسكرية في مناطق مثل سورية , التي وجه ترامب ضربة صواريخ التوماهوك لقاعدة الشعيرات العسكرية فيها بالرغم من تحذيرات موسكو من عواقب مثل هذه الخطوات , أو حتى في أوكرانيا , الغائبة حاليا عن المشهد .
طبعاً كل هذه المقدمات والمعلومات لنصل إلى العقوبات التي وافق عليها مجلس النواب الأمريكي بحق روسيا , ومن يتعاون معها , وهنا خطورة هذه العقوبات إذا ما أقرت في مجلس الشيوخ ووافق عليها ترامب تحت الضغط , فالعقوبات المقترحة ستشكل ضربة مزدوجة لروسيا وأوروبا وذلك عبر ضرب المشاريع المشتركة بين الشركات الروسية والأوربية العملاقة لتنفيذ ثمانية مشاريع ضخمة تهدف لتحقيق أمن الطاقة للقارة العجوز , وهذه المشاريع الثمانية هي :
- السيل الشمالي 1
- السيل الشمالي 2
- مصنع للغاز في البلطيق مع مشروع خط أنابيب
- السيل الأزرق
- خط أنابيب قزوين
- سخالين 2
- حقل شاه دنيز
- تطوير حقل ظهر في مصر
طبعا يضاف إلى هذه العقوبات عقوبات أخرى تطال مؤسسات مالية وبنوك وشخصيات روسية .
إذاً هذه العقوبات تفوح منها رائحة مشاريع أخرى تهدف من خلالها واشنطن لكبح جماح الجوع الأوربي نحو الغاز والنفط الروسي , والذي يشكل ثلث إمدادات الطاقة للدول الأوربية , والدفع بالشركات الأوربية العملاقة للبحث عن بدائل للغاز الروسي , سواء من الولايات المتحدة , المنتج الأكبر للنفط والغاز في العالم , أو من دول الخليج , كونها محميات أمريكية بامتياز .
إن مشروع العقوبات الأمريكي على روسيا وفرض قيود على أي المشاريع المستقبلية لرفع حصة روسيا من سوق الطاقة الأوربي يهدف أيضا لحرمان روسيا من أوراق كثيرة وقوية في مواجهتها الإستراتيجية مع واشنطن , ورسم حدود مناطق النفوذ العالمي , خصوصا أن روسيا هي اليوم في سورية أي باتت أقرب من اللازم على أوربا , كما صرح ذات مرة وزير الخارجية الألماني , وهذا يجعلها قادرة على التحكم بخطوط نقل الطاقة من إيران والخليج وصولا لسواحل المتوسط الشرقية وتضاعف قدرتها على التحكم بإمدادات الطاقة لأوروبا , وهذا ما تدركه موسكو جيدا اليوم وتبحث عن ردود وخطط بديلة لتجاوز هذه الخطوة الأمريكية كما فعلت بعد إسقاط أوكرانيا من يدها بمد اليد الأخرى لشبه جزيرة القرم .
عود على بدء , ما هي قدرة ترامب على مواجهة هذا المشروع , خصوصاً أن الأوربيين اعترضوا على مشروع العقوبات واعتبروه تهديدا لمصالحهم ؟ و هل ستستطيع أوربا منع هذا المشروع أم أنه سيعتبر إخفاقا جديدا لترامب في حماية ورعاية مصالح حلفائه , وبهذا يكون أطبق عليه من الداخل والخارج وفقد قدرته على السيطرة والحكم داخل الولايات المتحدة ؟.