وسام داؤد – السوريون .. وأيلولهم الأسود ..
|| Midline-news || – الوسط – خاص ..
أيلول الأسود لم يعد بالنسبة للسوريين مرتبط بالحديث عما جرى في العام 1970 بين الفلسطينيين والأردنيين من مواجهات دموية أجهضت الحلم الفلسطيني بكفاح مسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي .
أيلول الأسود بات يرتبط بأزمة اقتصادية خانقة في حياة السوريين ويمر عليهم بشكل سنوي دوري ، ازدادت حدتها في السنوات السبع الأخيرة . فأيلول الأسود هو شهر كسر الظهور ماديا تحت وطأة الالتزامات الكثيرة والكبيرة ، ففيه تحاول العائلات السورية أن تملأ مطابخها بالمؤن لشتائهم وشراء المحروقات لمدافئهم والثياب ومستلزمات المدارس لأبنائهم ، وكل هذا من رواتبهم التي لا يتعدى أعلاها الخمسون ألف ليرة سورية . طبعا ، نتحدث عمن يمتلك راتب وهو على رأس عمله ولا نتحدث عن الأسر التي فقدت معيلها بسبب استشهاده وانخفض راتبه إلى الحدود الدنيا أو المتقاعد أو غير الموظف بالأساس .
هل تدري حكومتنا أن رواتب الشهيد الاحتياط لغير المتزوجين هو 1800 ليرة سورية فقط ؟ أي ما يعادل ثلاث دولارات توزع على الأب والأم ! واكتشفت هذه المعلومة بالصدفة حين كان والد ووالدة أحد الشهداء في المصرف العقاري في اللاذقية لقبض الراتب وكان إلى جانبهم رجل انتبه إلى المبلغ المالي الذي أخذه والد الشهيد ، وعندها بادره بالسؤال هل أنت والد الشهيد حقا ؟ فأجابه نعم ، وأكمل والدته تقبض ذات المبلغ ، الرجل انفعل وأخذ بالصراخ في بهو المصرف ” يا ناس تخيلوا أن راتب شهيد ضحى لأجل البلد 1800 ليرة تخيلوا ” ! طبعا ،هذا ليس تخيلا هي حقيقة مرة موجودة على أرض الواقع وموثقة بالأسماء .
لنعد إلى حكومة الفقراء ، كما ادعت ذات تموز أسود العام الماضي ، وأيلول السوريين الأسود أو المسود الدوار بفعل السياسات الحكومية المتعاقبة والحالية . لماذا هذا الإصرار والتجاهل الكبير لمطالب الفقراء بتحسين حالهم وفك عسرهم وضيقهم ؟ قلنا المرة الماضية إن سياستكم تتجه لمزيد من الضغط على الفقراء الذين باتوا أغلبية الشعب المطلقة وتزيد من فقرهم وأنتم تقولون إنكم تسعون بكل جهدكم لتحسين حياتهم وتخفيف الأعباء عنهم ولكن ،كيف ؟ ومتى ؟ ومن أين ؟ لاندري ، وإذا كان لديكم استراتيجية واضحة اشرحوها للناس وقولوا لهم ماعليهم فعله وإلى متى سيتحملون الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشونه ، فهل من مجيب ؟ طبعا لا .
ورغم ذلك نتابع جلسات الحكومة وننتظر ما سيخرج عنها أسبوعيا من قرارات تهم الناس بشرائحهم الواسعة و يضع حدا لحالة تدهور وضعهم المعيشي فنعود بخفي حنين وتكون المخرجات والقرارات متعلقة فقط بقرارات إدارية أو طرح مشاريع خاصة بشرائح مهنية معينة وقليلة ونوعية وزيادة في تعويضاتهم وأجورهم ، وهذا ما أقرته الحكومة مؤخرا لأعضاء الهيئة التدريسية والفنية والمعيدين في الجامعات وكذلك للمعالجين الفيزيائيين ، وهذه خطوة جيدة وضرورية ولكنها لا تفي بالغرض لا بالنسبة لأعضاء الهيئة التدريسية ولا بالنسبة للطلاب الفقراء .
أما عن تقديم المكافأة للطلاب المتفوقين والتي أقرت في جلسة الحكومة الأخيرة لنسأل الحكومة هل هؤلاء المتفوقين هم من التعليم العام أم الخاص ؟ خصوصا إذا علمنا أن النسبة الأكبر من الطلاب المتفوقين في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي هم من أبناء التعليم الخاص ، ويمكن الرجوع إلى نتائج العام الدراسي 2016- 2017 وهذا دليل على تراجع منظومة التعليم الحكومي وتشجيع للتعليم الخاص عدا عن المليارات التي تخصص للمحافظات والمدن لتنفيذ مشاريع خدمية غير معروفة ولا يشعر بها من هم بحاجتها . وكان يمكن للحكومة أن تحدد هذه المكافأة للمتفوقين من المدارس العامة فقط وبهذا يمكن أن تخلق حالة تنافسية وتعطي فرصا لأبناء الفقراء ليستكملوا تعليمهم بشكل جيد .
أما حديث الحكومة المستمر عن ضرورة رعاية رجال الأعمال والشركات وتشجيعهم على الاستثمار والعمل وإغداق الإعفاءات الضريبة والجمركية على رؤوس أموالهم وأرباحهم التي هي في النهاية من لحوم الفقراء السوريين الذين صمدوا في هذه الحرب بأقسى ظروفها وحالاتها ، فهذا يمكن الحديث عنه بالكثير والكثير لكنه في النهاية يعبر عن فلسفة اقتصادية جديدة ، وهي الاتكاء على رأس المال الخاص في التنمية وحصر دور الدولة من الرعاية الأبوية للطبقة الفقيرة إلى رعاية رأس المال واسترضائه ، مع العلم أن الدولة والحكومة الحالية تعلم أنه يتوجب عليهم ، أي هؤلاء رجال الأعمال والشركات ومحدثي النعمة والمال في الأزمة ، أن يدفعوا ضرائب مضاعفة ورسوم إضافية تنفق على الفقراء السوريين كون أبناء هؤلاء الفقراء هم من حموا هذه الدولة وصانوا مؤسساتها ، وبدماء الفقراء عادت معامل أصحاب الأعمال والمنشآت للدوران ونمت أرصدتهم التي هرب قسم كبير منها في بداية الحرب على سورية قبل أن تعود عجلة الانتصارات للدوران . وهنا لماذا لا تشمل الحكومة أصحاب الدخل المحدود والعمال بإعفاءاتها الضريبة على رواتبهم خلال أشهر ذروة الضغط المادي عليهم ، وإن كانت الخطوة رمزية تساهم في دفع ثمن حقيبة مدرسية لتلميذ أو بدلة لطالب وتعطي مؤشر لانتباه الحكومة إلى عبيدها .
في هذه الأيام يمر علينا عيد الأضحى المبارك ، أعاده الله على فقراء سورية فقط بالنصر على الإرهاب واليسر والخير والفرج المادي ، هو العيد الثالث لحكومة الفقراء العتيدة التي لم تنفذ من بيانها الوزاري أي شيء للفقراء وتقول لنا باختصار قولوا ما تشاؤون وسنفعل ما نريد .
وأخيرا كتب لي أحد الأصدقاء تعليقا على المقال السابق ينتقدني فيه للطف والتهذيب في انتقاد العمل والأداء الحكومي والإهمال الكامل والمقصود من قبل الحكومة الحالية لطبقة الفقراء التي باتت اليوم تشكل أكثر من 70 في المئة من السوريين . طبعا نقد الصديق محق وفي مكانه ومهما قدمت له من تبريرات قد لا تقنعه وهذا حقه أيضا فهو مواطن يريد من يتكلم عن حاله وواقعه بصراحة وشفافية وصدق ، وهذا ما نحاول فعله ، ولكن يا صديقي سيف الحكومة طويل ومشحوذ ولا يتحمل النقد والصراحة والشفافية ، فكل وسائل الانتقام موجودة ولا تدري من أين وكيف تأتي الطعنة ، ولهذا نحاول أن يكون نقدنا بلغة مهذبة لبقة لنتجنب الطعن والتشهير بوسائل إعلام الحكومة ، التي فرض عليها عدم التعرض أو الكلام عن أي سلبية في أداء العمل الحكومي وبعض صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي المستأجرة للدفاع عنها ومهاجمة كل من ينتقدها أو يشير إلى تقصيرها .