مـمـدوح الـطـبـاع – اللاجـئـون الـسـوريـون فـي أوروبـا .. الـجـدل الـقـانـونـي وحـق الـعـودة ..
|| Midline-news || – الوسط – خاص ..
تعد مسألة اللجوء والنزوح إحدى المعضلات التي تفرزها النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية . كما أن المجتمع الدولي يعاني من هاتين الظاهرتين خارج نطاق النزاعات المسلحة . مما يجعل مجموع الأدوات الدولية التي تعرّف الحقوق والواجبات المتعلقة باللاجئ والنازح تطبقان زمن السلم كما في زمن الحرب .
لمحة عن ظاهرة اللجوء والنزوح في عالمنا المعاصر ..
يشبّه العاملون في حقل اللجوء هذه الظاهرة وكأنها بناء يقوم على قاعدة وأربعة دعائم وسقف :
- القاعدة هي مبدأ عدم الإبعاد : / Principe de non refoulement / .
- الدعامة الأولى هي البعد الإنساني : / Principe humanitaire / .
- الدعامة الثانية هي ضرورة تعريف فئات اللاجئين :
- لا جئي ونازحي النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية .
- لاجئين سياسيين .
- لاجئين ونازحين اقتصاديين .
- لاجئين فردى أم جماعات .
- الدعامة الثالثة هي حق هؤلاء في توحيد الإجراءات والمساواة في المعاملة .
- الدعامة الرابعة هي تحديد الحقوق من جهة كحق الحياة والمعيشة .
- السقف هو مبدأ عدم التمييز بين الفئات المختلفة من اللاجئين لا من حيث الدين أو اللون أو العرق أو الجنس .
وتبقى الواجبات التي تقع على اللاجئين من جهة أخرى كالعمل وعدم القيام بنشاط سياسي غير مرخص له .
تعريف اللاجئ ..
عرّفت المادة الأولى من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين اللاجئ : ” إنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة ، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر ، أو الدين ، أو القومية ، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة ، أو إلى رأي سياسي ، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل / تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد ” .
كما أنّ الاتفاقية كانت قد استثنت الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد السلام أو جريمة حرب ، أو جرائم ضد الإنسانية ، أو جرائم جسيمة غير سياسية خارج بلد اللجوء .
في إطار الجدل حول استقبال عدد من الدول الأوروبية و دول الجوار لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين ، والذي تبيّن لاحقاً أنّ منهم من كان بالفعل من المقاتلين الذين شاركوا مع تنظيمات إرهابية في ارتكاب جرائم حرب ، و جرائم بحق الأشخاص وغيرها من الجرائم الجسيمة التي يعاقب عليها القانون الدولي ، والتي تحرم هؤلاء من الحصل على حق اللجوء أساساً ، كان لابدّ لدول أوروبا النظر بعمق في ملفات العديد من هؤلاء قبل إعطاءهم صفة اللجوء ، ولكن بالرغم من صعوبة تقدير الحالة نظراً لتدفق عدد كبير جداً من اللاجئين إلى القارة العجوز ، إلاّ أن حماية اللاجئين الأبرياء وخاصة فيما يخص لملف اللجوء السوري في أوروبا اليوم ، يعدّ واجباً على الحكومات الأوروبية ، والتي كانت دون أدنى شك على الرغم من أي اعتبار ، الأفضل في احتواء أزمة اللجوء الإنساني القادمة من سورية ، على عكس دول الجوار الأخرى كتركيا والأردن ولبنان ، التي استخدمت ملف اللاجئين السوريين لتحقيق أهداف عسكرية ، سياسية ومادية ، كما حصل في تركيا والتي عمدت إلى تنظيم معسكرات مسلحة لتدريب اللاجئين ومولتهم بالسلاح والمال ، وجعلت من حدودها معبراً مفتوحاً لهم باتجاه سورية للمشاركة في القتال مع فصائل مسلحة كثير منها تنظيمات إرهابية ، بدلاً من تأمين بيئة آمنة لهم ، و هو الحال نفسه على الحدود الجنوبية لسورية مع الأردن التي لعبت هي الأخرى دوراً كبيراً بجعل حدودها معبراً لمقاتلي المعارضة المسلحة ولمجموعات إرهابية ، دون أي اعتبار لبنود الاتفاقية التي تنص على إعطاء طالب اللجوء كامل حقوقه في العيش والعمل والرعاية الصحية والتنقل ، كذلك لبنان الذي لم يقم بواجبه تجاه اللاجئين السوريين كما يجب بل جعل منهم ورقة تتجاذبها التيارات السياسية والأحزاب لتحقيق مكاسب داخلية ، وورقة ضغط على الحكومة السورية وشكل التعاطي معها ..
ويؤخذ يعين الاعبتار أنّ تركيا تعد من الدول الموقعة على اتفاقية عام 1951 والبروتوكول الخاص بها ، بينما تعدّ الأردن من الدول غير الموقعة علي الاتفاق .
اللجوء والعالم العربي ..
تطورت مسألة اللجوء في السنوات الخمس الماضية بشكل ملحوظ ، ويعود ذلك لأسباب عديدة يمكن ربطها بعدم الاستقرار الاقتصادي للفرد ، الحروب الخارجية ، الحروب الأهلية ، فشل عدد من السياسات العامة للدولة بما يخص رعاية الفرد والأسرة ، أسباب دراسية ، بحث عن فرص عمل ، الإرهاب ، الحركات الجهادية حديثة الولادة ، القمع السياسي وغيرها من الأسباب العديدة الأخرى التي تقود الإنسان للبحث عن مكان يستطيع فيه الحصول على أدنى حقوقه الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية في الحياة ، والتي تتمثل بحق الحياة في بيئة آمنة خالية من كل أشكال التسلح والإرهاب الداخلي كان أم الخارجي ، والقدرة على الحصول على عمل يستطيع من خلاله تأمين احتياجاته الأساسية من غذاء ومسكن وملبس ، بالإضافة لحقه بضمان حقوقه الإجتماعية والسياسية والاقتصادية بكل أشكالها .
كانت الحروب المتتالية هي السبب في موجات اللجوء التي عانى ولا زال يعاني منها العالم العربي من محيطه إلى خليجه ، وتعد مسألة فلسطين وتقسيمها واحتلال ما تبقى منها من أهم أسباب تفاقم مشكلة اللجوء ، غير أن المنطقة لا زالت تشهد تزايداً في أعداد اللاجئين ، حيث لم تتوقف النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية ، كحربي الخليج الأولى والثانية ، والحرب الأهلية في الجزائر وفي لبنان والسودان ، ومن بعدها احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق ، وأخيراً الحرب السورية والتي خلّفت آلاف الضحايا ناهيك عن تهجير ما يقارب نصف الشعب السوري داهلياً وخارجياً !
سورية و الاتفاقية الخاصة باللجوء لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام 1967 ..
تعد سورية من الدول غير الموقعة على اتفاقية اللجوء لعام 1951 والبروتوكول الملحق بها لعام 1967 ، وهو الأمر الذي في طبيعة الحال لا يحرم المواطنين السوريين من طلب حق اللجوء في بلد آخر بسبب الأعمال القتالية الدائرة في بلدهم الأم سورية ، كما أنّه يقع على عاتق الحكومة السورية تأمين كافة احتياجات مواطنيها بالخارج فيما يخص البطاقات الشخصية وتسهيلات المعاملات المدنية والتسجيل القنصلي و بطاقات السفر وغيرها ، وهو الأمر الذي يكون عن طريق سفارات أو قنصليات سورية في الخارج ، وفي حال عدم وجود سفارة أو قنصلية في البلد نفسه ، تعنى السفارة أو القنصلية في البلد المجاور الآخر بشؤون المواطن السوري من اجل تقديم المساعدة له .
الجدل القانوني حول سحب الجنسية السورية من اللاجئين اللذين غادروا سورية بطريقة غير شرعية ..
تنص المادة الثامنة والثلاثون ، الفصل الأول : الحقوق والحريات من الباب الثاني : الحقوق والحريات وسيادة القانون من الدستور السوري لعام الحالي والذي أقر في عام 2012 ، على أنه ( لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن ، أو منعه من العودة إليه ) ، وتبين المادة الثامنة والأربعون من الفصل نفسه أنّ القانون ينظّم الجنسية العربية السورية ، وكل الأطفال الذين ولدوا خارج الجمورية العربية السورية هم أشخاص يعتبرون عرب سوريين حكماً بشرط :
- أن يكون ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري .
- أن يكون ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلي أبيه قانوناً .
- أن يكون ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم يثبت العكس .
- أن يكون ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية .
- أن يكون ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية .
بالتالي فإن أي جدل في الوقت الراهن حول سحب الجنسية من المواطنين السوريين في الخارج هو غير قابل للجدال من الجانب القانوني ، كما أنّ دعوة الحكومة السورية المواطنين السوريين إلى العوة إلى سورية بعد استعادة الدولة السيطرة والنفوذ على معظم المناطق التي كان استولى عليها الإرهابيون ، إضافة إلى دعوة الأفراد لتسجيل أنفسهم في السفارات والقنصليات السورية في الخارج لتصحيح وضعهم القانوني ، مع بيان أنه لا يوجد عقوبات مستحقة على من غادر بطريقة غير مشروعة وكان لم يشارك في الأعمال القتالية في سورية .
تبقى قضية اللجوء السوري هي الأكثر حساسيةً في التاريخ الحديث والمعاصر ، وعلى الرغم من حصول حركات نزوح كبيرة من مناطق عدة باتجاه بلدان أخرى ، إلاّ أن الآزمة السورية كانت الأكثر كثافة والأكبر على نطاق العالم ، ورغم المساعدات والتسهيلات الكبيرة التي يحصل عليها اللاجئ السوري اليوم في أوروبا ، وخاصة في بلدان مثل ألمانيا وهولندا والدنمارك والنمسا والسويد .
حريٌ بنا أن نعرف أن من جعلنا نغادر سورية ، هو نفسه من ساهم بدعم ما سُـمي بالـ ” ربيع العربي ” ، وتسبب بعاصفةٍ هوجاء أصابت كل بيت وعائلة سورية دون أي تمييز ، وعملت على تدمير البلد وإحراق الأخضر واليابس .
*كاتب وباحث سوري – برلين
الآراء المذكورة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي أصحابها حصراً