دراسات وأبحاث

معهد واشنطن ..تطرفٌ وانقسام هيكلي داخل جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر

|| Midline-news || – الوسط …

نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تقريرا يتحدث عن تنظيم الإخوان المسلمين في مصر

وقال كاتب التقرير إنه بعد الإطاحة بمرسي وسط الاحتجاجات الشعبية والتدخلات العسكرية، شهدت جماعة “الإخوان المسلمين” إحدى أصعب الحملات  ضدها منذ تأسيسها عام 1928، وكان الهدف من هذه الحملة تفكيك نظامها البيروقراطي وقاعدة شعبيتها الاجتماعية. فخلال عمليات التفريق لمخيّمَي المتظاهرين في ميدانَي “رابعة” و”النهضة”، لقي 800 عضو من “الإخوان المسلمين” مصرعهم وزّج مذّاك نحو 40 ألف عضو ومناصر في السجن فيما المحاكمات الجماعية جارية والمحاكم تُصدر أحكامًا بالإعدام أو السجن المؤبد على أعدادٍ كبيرة من أفراد الجماعة، هذا وقد فرّ الكثيرون غيرهم من البلاد. وفي هذه الأثناء، أعلنت الدولة “جماعة الإخوان المسلمين” تنظيمًا إرهابيًا وصادرت أصولها وممتلكاتها، بما في ذلك 1225 جمعية خيرية و105 مدارس و83 شركة و43 مستشفى ومركزَين طبيين كبيرين.

وكان لهذه الاعتقالات وقعٌ وخيمٌ على الهيكلية التنظيمية للجماعة. إذ لم يَسْلَم من السجن بعد حملة التطهير  الجماعية إلا ستة من أعضاء مكتب الإرشاد البالغ عددهم واحد وعشرون عضوًا، وثلاثة منهم أصبحوا خارج البلاد. وكذلك لم يبقَ حرًا طليقًا حيًا يرزق إلا 14 من أصل 121 عضوًا من مجلس شورى الجماعة. وإذا بهذا الاستنزاف الذي طال مؤسسات الجماعة المركزية يُحدث انقسامات حادة داخلها – وهذه مشكلة غير مألوفة في منظمة اعتادت استنباط معظم قوتها من وحدتها وهيكليتها المتماسكة وولائها الداخلي.

ومع تعطّل مؤسسات “الإخوان المسلمين”، أصبحت التساؤلات عن الشخص الذي ستُسند إليه قيادة الجماعة محط جدال رئيسي أدّى إلى انبثاق كتلتين متخاصمتين تتنافسان على الأتباع وعلى الحق في استخدام اسم المنظمة. تشمل الكتلة الأولى ما تبقّى من قيادات الجماعة التي كانت موجودة قبل عام 2013 ويرأسها ثلاثة رجال هم المرشد العام بالتكليف محمود عزت – وهو مجهول المكان – والأمين العام محمود حسين المقيم في تركيا والأمين العام للتنظيم الدولي ابراهيم منير المقيم في لندن. ولا يزال أعضاء هذه الكتلة يعتبرون مكتب الإرشاد ومجلس الشورى الهيئتين الشرعيتين لجماعة الإخوان المسلمين، ويعتقدون أنه من المستحيل إجراء انتخابات داخلية جديدة في ظل البيئة الأمنية الراهنة في مصر. وربما أهم ما في هذه الكتلة هو أنها تسيطر على الأصول الخارجية للمنظمة.

أما الكتلة الثانية فأنشأت هيكلية تنظيمية جديدة في عام 2014 ورسّختها في عام 2016. وانشقّت هذه الكتلة في البداية تحت إمرة محمد كمال (الذي قُتل لاحقًا في عام 2016) ومحمد طه وهدان (الذي سُجن لاحقًا عام 2015) وعلي بطيخ (المقيم في تركيا منذ عام 2015). ويستند أعضاء هذه الكتلة إلى نظام الجماعة الداخلي ليجادلوا بأنه لا يحق لمكتب الإرشاد ومجلس الشورى الانعقاد والعمل إلا بحضور نصف مسؤوليهم على الأقل. وبما أن هذا الأمر بات مستحيلاً بعد حملة القمع الجماعية ضد “الإخوان”، أعلنت هذه الكتلة عن انحلال الهيئتين القديمتين وأجرت داخل مصر انتخابات بدأت من المستويات الدنيا صعودًا من أجل انتخاب هيئتين جديدتين عام 2016. كما أقامت مكتبًا لها في تركيا لتسيير شؤون الجماعة خارج مصر، ويرأس المكتب المدعو أحمد عبد الرحمن.

ومنذ حصول هذا الانقسام وكل كتلةٍ تندد مرارًا بالكتلة الأخرى باعتبارها غير شرعية وتصرّح أن كبار مسؤوليها لم يعودوا من “الإخوان”، حتى أنه بات لكل كتلة ناطقٌ رسمي خاص وموقع إلكتروني خاص يدّعي أنه الممثل الرسمي للجماعة (“ikhwanonline.com” و”ikhwanonline.info“). مع ذلك، تعتبر كلتاهما أن مرسي هو الرئيس الشرعي لمصر وأن محمد بديع الموجود حاليًا في السجن هو المرشد العام للجماعة.

واضاف التقرير أن الانقسام الإيديولوجي داخل جماعة “الإخوان المسلمين” يتمحور حول مسألة استخدام العنف ضد حكومة السيسي. فالكتلة التي يرأسها عزّت دعت أعضاءها إلى السلمية مشددةً على أن الجماعة تغلبت على حملات قمع عديدة على مر تاريخها الطويل عبر الالتزام باستراتيجيتها المعروفة، وهي اتباع نهج ثوري لاعنفي لإحداث تغيير تدريجي من الأسفل عبر إصلاح الأفراد أولاً ومن ثم المجتمع، وصولاً إلى الهدف النهائي المتمثل بتغيير النظام السياسي. وعلى حد قول محمود حسين، “يجب أن يكون الصراع ضد الطغيان متأصلاً في السلمية المطلقة” حتى وإن تسبب ذلك “بالانتهاكات والاعتقالات والقتل والتعذيب والاضطهاد”. فضلاً عن ذلك، تسعى هذه الكتلة إلى إعادة تكوين ثقافة “المحنة” الفرعية أو الشعور الجماعي بالاستضعاف، وهو ما ساعد “الإخوان المسلمين” في السيطرة على أعضائهم وتهميش المنشقين العنيفين في الماضي (خلال حملة القمع التي قامت بها مثلاً حكومة عبد الناصر في خمسينات وستينات القرن العشرين).

بيد أن الكتلة الثانية ابتعدت عن هذا التقليد وسعت إلى إظهار “الإخوان المسلمين” في حلة جديدة كحركة ثورية – حركة مخوّلة لاستخدام التكتيكات العنيفة ضد حكومة السيسي إذا لزم الأمر. ولم تستند في تشريع العنف على مفهوم “التكفير” الجهادي الذي يصنّف المسلمين الآخرين بالكفار، إنما استخدمت مفهوم “القصاص” المذكور في الشريعة الإسلامية انطلاقًا من فتوى صدرت عام 2015 وأجازت استخدام العنف في حالات القمع الشديد التي يشهدها السياق المصري الاستثنائي. ويشار إلى أن هذه الفتوى موقعة من قبل 150 علّامة إسلامي، ومن بينهم شخصيات إقليمية بارزة تنتمي إلى “الإخوان المسلمين” (مثل أحمد الريسوني، وهو المؤسس الشريك لـ”حزب العدالة والتنمية” في المغرب، وعبد المجيد الزنداني، وهو مؤسس حزب “التجمع اليمني للإصلاح”)، وبعضهم الآخر دعاة وأساتذة جامعيون (أمثال حمدي أرسلان في تركيا وصلاح القادري في ماليزيا) أو ممثلون عن منظمات إسلامية موالية لجماعة “الإخوان المسلمين” (على غرار حسين حلاوة أمين عام “المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث”).

ويمكن القول على وجه الخصوص إن مفهوم “القصاص” الذي تتبناه الكتلة المنشقة يجيز قتل عناصر الأمن التابعين للدولة والقضاة وحتى الصحفيين الذين يشاركون في التحريض ضد الجماعة. فأعضاء تلك الكتلة يعتبرون أنه يجب تطبيق القصاص على الفور وبأيديهم عوضًا عن اللجوء إلى القضاء.

وباستناد هذه الكتلة الثورية إلى مفهومَي القصاص والدفاع عن النفس اللذين ينسجمان أكثر مع عامة المسلمين، فإنها فتحت المجال أمام التعاون مع تنظيمات أخرى من أجل الوقوف بوجه الحكومة. وبالفعل، انبثقت عدة تنظيمات معارضة مسلحة عن الاندماج بين أعضاء من “الإخوان المسلمين” وشخصيات أخرى، ومنها “لجان المقاومة الشعبية” وحركة “العقاب الثوري” – وقد استهدفت هذه التنظيمات الجهاز الأمني والبنية التحتية المحلية (كشبكات الكهرباء). هذا وتوفّرت أدلة على عمليات مشتركة بين أعضاء الكتلة الثورية وتنظيمَي “حسم” و”لواء الثورة” المصّنفين على لائحة الإرهاب الأمريكية.

وعلاوةً على الدور الذي تؤديه إيديولوجيا الكتلة الثورية، تسهم لامركزية هيكليتها القيادية في تسهيل إقامة هذه الروابط، إذ لم يعد الأعضاء بحاجة إلى الحصول على إذن مسبق من القيادة للتحرك على الأرض طالما أن أعمالهم تتماشى مع الرؤية العامة للكتلة.

وخلص التقرير إلى القول إنه من المستبعد أن يصل الصراع بين كتلتَي “الإخوان المسلمين” السلمية والثورية إلى حلٍ قريبًا. فالأولى تجادل أن الكتلة الثانية تنحرف عن تقاليد الجماعة السلمية وحريٌّ بها تشكيل منظمة جديدة خاصة بها، بينما تنهمك الكتلة الثورية في وضع نسخة جديدة عن إرث مؤسس “الإخوان المسلمين” حسن البنا، مسلّطةً الضوء على الفترات المسلحة في تاريخه وتاريخ الجماعة. والواقع أن هذه النظرة تؤثر على الكثير من “الإخوان” في ظل القمع الراهن الذي حرمهم من فرص عديدة في مجال العمل الاجتماعي والمعترك السياسي. ومن الممكن لهذا التأثير أن يطال مع الوقت تنظيمات أخرى وأفرادًا آخرين بما أن مسؤولي الجماعة يحرصون على تفادي المفاهيم الجهادية والتماس القبول الإيديولوجي من مصادر عامة أخرى. ولذلك يجدر بصانعي السياسات الدوليين أن يتنبهوا جيدًا إلى كيفية تبلور هذا الانقسام وإلى الطرف الذي يتعاطف معه الرأي العام المصري.

معهد واشنطن لسياسات  الشرق الأنى 

أنيت رانكو هي الممثلة المقيمة عن “مؤسسة كونراد أديناور” في الأردن وزميلة باحثة سابقة في “المعهد الألماني للدراسات الدولية والمناطقية”. محمد ياغي زميل باحث ومدير مشروع في مؤسسة “كونراد أدناور”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك