كيف نجذب الأمراض والمشاكل إلى حياتنا ؟ الجزء التاسع – تمسكنا وتعصبنا لمبادئنا في مختلف مجالات الحياة
د . مصطفى دليلة ..
|| Midline-news || – الوسط ..
– الصراع الدائم من أجل المبادئ وتعصبنا لقيم ومبادئ ثابتة في مختلف مجالات الحياة يكون في أحيان كثير سبباً في جذب الكثير من المشاكل والآلام والأمراض إلى حياتنا.
يسألني كثيرون هل يعني هذا أنك تدعونا أن نعيش بلا أية مبادئ أو ثوابت في الحياة؟ بالتأكيد ليس هذا هو قصدي. بل على العكس انا دائما أعلّم وأقول: إن لم يكن لحياتك أهداف ومبادئ فلا معنى لها. لكن حتى تصل أهدافك ومبادئك يجب أن تعرف أن أحد قواني الكون الثابتة هو قانون التغيير.. إذا لا وجود للثبات في هذا الكون، وكل شيء فيه متغير، حتى مبادئنا وأهدافنا وثوابتنا تتغير بتغير الزمان والمكان.
تعصبنا الأعمى لمبادئنا وثوابتنا يجذب لنا الكثير من المشاكل إلى حياتنا. المتعصب شخص أغلق أبوابه ونوافذه على العالم من حوله، لا يعطي ولا يأخذ، لا يتقبل الحوار، رأيه هو الصح وهو يملك الحقيقة بمفرده. لا يستطيع أن يكون مرناً، يحافظ على مبادئه ومعتقداته حتى لو باتت من الماضي العفن.
هناك من يحارب من أجل مبادئه في السياسة، وهناك من يحارب من أجل مبادئه في الأخلاق والحياة بشكل عام، وهناك من يحارب حتى نفسه ( من أجل الحصول على الوزن المثالي، أو الشكل المثالي، أو التربية المثالية….).
متابعة لي تحارب نفسها لأننها غير معجبة لا بشكلها ولا بوزنها علماً ان كثيرين يحلمون الاقتراب منها أو الارتباط بها، لكنها غير معجبة بنفسها.. لجأت لمختلف الحميات والحيل والعمليات الجراحية (كشفط الدهون أو قص جزء من الأمعاء والمعدة، أو الحقن بالبوتكس والمواد الضارة، و……..) بهدف أن تنحف بضعة كيلوغرامات أو تجمّل نفسها دون أن تحقق حلمها، فهي لا تزال رغما عن كل ذلك تزداد وزناً وسمنة في أماكن غير محبذة بالنسبة لها. لو أدركت صديقتي أن كل مشاكلها يمكن أن تُحل بعشقها لنفسها (بعيداً عن الغرور الذي يوقعها في متاهات أخرى) لما لجأت إلى كل هذه الطرق الضارة التي سببت لها الكثير من المشاكل الإضافية والأمراض في حياتها.
الجميع يدافعون حتى الرمق الأخير من حياتهم عن مبادئهم ومثلهم، لا يرحمون أنفسهم وصحتهم، ولا حتى غيرهم. ومن الطبيعي أنه حينما تحاول دائماً إثبات وبرهان أنك أنت الوحيد الصح في هذا الكون وطريقك هو طريق الحقيقة وكل من حولك ناس جهلة لا يفقهون شيئاً، ولن تستطع فعل ذلك أبداً، سوف تجذب الكثير من المآسي والآلام والأمراض إلى حياتك.
قريبٌ لي تجاوز السبعين من عمره. كل ما أذكره عنه أنه يعتبر نفسه إله الحقيقة الأوحد: مبادئه صح، آراؤه صح، معتقداته صح، مواقفه صح، … ولا يمكن لقوة في الأرض أن تحيده عن مبدأ في الحياة آمن به منذ نصف قرن … صديقنا هذا يتنقل من مستشفى إلى أخرى، ومن مشكلة إلى أخرى، ومن محكمة إلى أخرى طيلة حياته وما زال مقتنعاً بأنه هو وحده من يملك الحقيقة لا غيره.
يضعنا درب الوعي أمام عددٍ لا متناه من الخيارات في الحياة، في الوقت الذي منحنا فيه الخالق (عندما نفخ فيه من روحه) حرية الاختيار كاملة. البشر لا يستخدمون هذه الحرية بشكل سليم، ويدمرون حياتهم عبر محاولاتهم المختلفة لتغيير عالمهم المحيط، وجميعها بلا نتيجة… نحن لا نستطيع تغيير سوى أنفسنا فقط، ومن خلال هذا التغيير نستطيع تغيير عالمنا المحيط، لكن هل من متعظ!!
من السهل جداً الحكم على الآخرين وإدانتهم، ونصحهم والعمل بكل قوانا لتغييرهم نحو الكمال متناسين بذلك أحد أهم قوانين الكون والخالق “لا تدينوا كي لا تدانوا لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم” – انجيل متى.
كي تتأكد هل تعمقتَ في إدانة عالمك والآخرين ادخل إلى أعماقك وتفحص مشاعرك… هل لديك الكثير من الأفكار والمشاعر والعواطف والانفعالات السلبية؟ إن كان الأمر كذلك فتوقف واعمل منعطفاً في حياتك..
من أين تأتينا هذه الأفكار والمشاعر والعواطف والانفعالات السلبية؟ إنها تخفي وراءها الكثير من النقد وعدم الرضى والأسى والحزن في هذه الحياة. توقعاتك في هذه الحياة كثيرة جداً لكن الواقع وكل شيء فيها مؤلم ومعاكس لهذه التوقعات، مما يجعلك تغرق في آلامك.
عدم الرضى والتقبل، ومحاولاتك الدؤوبة لتغيير عالمك المحيط ونفسك أحياناً يجعلك تصاب يوماً بعد يوم بالإحباط، تندم وتجلد نفسك باستمرار. ويوماً بعد يوم تؤكد لنا الحياة خطأَ خياراتنا وقناعاتنا، مهدِّمة بذلك مثلنا ومبادئنا التي بنيناها.
عنادنا المستمر، وإصرارنا الدائم على تغيير الآخر يوقعنا في نفس المشكلة باستمرار. عندما تكون على خلاف حاد مع زوجك (زوجتك) في البيت وتصر على موقفك دائماً فإن الفراق أو الطلاق لن يحل المشكلة بل ستتكرر نفس المشكلة في أية علاقة جديدة تبنيها مع الآخر، إلى أن تتوقف عن جعل مبادئك ومثلك هي العليا.
إن كنت تريد أن تنعم بالسلام والتناغم في حياتك توقف عن احتكار الحقيقة، وتقبل ما تراه وتسمعه في عالمك المحيط .
يتبع ..