فضاءات

«كركلا» من طريق الحرير إلى بعلبك.. أكثر من حضارة وثقافة

هو الشعور ذاته في كلّ مرة نسير فوق طرقات بعلبك للاحتفال بمهرجاناتها. هو الاحساس عينه بتلك الفخامة والعزة اللتين ننتظرهما من كلمة «مهرجانات»، وبالمعنى الحقيقي لها، بعدما كثرت المهرجانات في لبنان، حتى لنجدها اليوم في كل قرية ومدينة ولكل مناسبة. ولأن الجمهور اللبناني لا يغيب عن حدث كبير كاطلاق مهرجانات بعلبك مرة جديدة من قلب قلعتها، امتلأت شوارع مدينة الشمس بالزوار اللبنانيين مساء الجمعة الماضي، إذ قرروا تحدّي الصعوبات الأمنية والمسافات الطويلة للاحتفال بالحدث الدولي السنوي، بعد الغياب القسري لأكثر من عام عن تلك المدرجات التاريخية والمعبد الأزلي الذي لا يغيب. ومع أن الطريق ليس من حرير، للوصول الى القلعة الرائعة إلا أنه حضر الافتتاح ما يقارب الثلاثة الاف متفرج، أرادوا بعزيمة كبيرة المشاركة في إضاءة شعلة المهرجانات مرّة جديدة.
عند اطلاق برنامج مهرجانات بعلبك الدولية لهذا العام لم نستغرب أن يتم اختيار فرقة كركلا بعملها «طريق الحرير» لافتتاح المهرجانات، كيف لا ومؤسس الفرقة عبد الحليم كركلا هو ابن هذه المدينة، كما ارتبط اسم كركلا بالمهرجانات منذ انطلاقها حين عرضت الفرقة في العام 1972 باكورة أعمالها لتشتهر بعدها وتطلق رقصاتها وفنها الى كل العالم.
اذا «طريق الحرير»، العمل المسرحي الغنائي العالمي لفرقة كركلا هو العمل الافتتاحي لمهرجانات بعلبك، مع مشاركة اكثر من 180 فناناً وراقصاً أتوا من لبنان والصين والهند وإيران ليشكلوا وحدة فنيّة مميزة تظهر القدرة الفعلية لجمع أكثر من حضارة وثقافة عن طريق الفن والموسيقى والكلمة.
لولا الأعمدة
ديكور ضخم نفّذته شركة «تكنو» الايطالية، وهي الشركة التي نفذت ديكور فيلم jesus of Nazarteh الشهير. بدأ العرض المسرحي الذي بشّرنا بعمل فني، عملت عليه كركلا بطريقة مميزة. لكن يبدو من الإجحاف بمكان إذا لم نعترف أنه لولا أعمدة معبد باخوس وسماء بعلبك المضاءة بالنجوم وتلك النسمة الباردة التي تعرفها مدينة الشمس فقط في مثل هذا الوقت، لما اكتمل المشهد ولما انبهرنا بهذا الفضاء الذي ـ إن جرّدته من جمالية المكان ومن الخلفية التي أساسها شكل أعمدة القلعة ـ لبدا ديكوراً عادياً وبسيطاً جداً.
لم تقتصر الاحتفالية على الافتتاح والعودة الى القلعة فقط، بل الأهم كان الاحتفال بعيدها الستين الذي يصادف هذا العام، وهذا ما يرتّب على لجنة المهرجانات العمل جديا في كل سنة على الإبقاء على مستواها الدولي المعهود.
بالعودة الى عمل كركلا الجديد «طريق الحرير»، نجد أنفسنا على تلك الطريق التاريخية التي ربطت قديما الصين ـ أحد أهم الدول وقتها بانتاج الحرير ـ بعدة مواقع وبلدان. الانطلاقة كانت من لبنان، بلوحة من مدينة بعلبك من عصرنا الحالي حيث يزور القلعة أهل المدينة مع سيّاح من جنسيات مختلفة، ويقرروا الرحلة حول العالم على طريق الحرير. لتبدأ الرحلة بلوحات راقصة من العالم فنمرّ بحضارات كثيرة مع رقصات من كل بلد، تبدأ من عمان حيث يكون اللقاء مع البحار أحمد بن ماجد (اميراندي) ثم الهند والصين وايران مرورا بالبندقية ثم تكون العودة الى بعلبك، والى القلعة الاحتفالية ويرافق رحلتهم جوبيتر الذي يظهر ويعطي حكمته من وقت الى اخر.
حاول القيمون على العمل تقديم مشهد واضح عن حضارات هذه البلدان، ولو أن المشهدية كانت تحتاج الى تركيبة متماسكة أكثر، فبالرغم من الاستعانة بثلاثين راقصا صينياً من أهم خمس فرق صينية و16 راقصاً من الهند وستة مطربين من الهند ومطربين من شيراز وأصفهان وفنانين من البندقية، إلا أن الرقصات بدت عادية جدا، بعض اللوحات مكررة، يستطيع المشاهد توقعها وحتى بدا عدد الراقصين على مسرح القلعة قليلا بالنسبة الى ضخامة المكان، علما أن الكوريغرافيا كانت من تصميم أليسار كركلا. هذا وكان بالامكان الاستعاضة عن المشهد الصيني والمشهد الهندي الطويلين نسبيا، بلوحات من بلدان عربية أخرى تقع على الطريق عينه. فمن ينتظر أعمال ولوحات كركلا ينتظر أن يرى اعمالها ورقصاتها العربية أكثر، فالجمهور اللبناني قد يسعد برؤية رقصات هندية أو صينية لمدة قصيرة على ان تطغى اللوحات العربية واللبنانية الراقصة وليس العكس صحيحا. فلم نشهد على التفاعل الذي يليق بعمل لافت لكركلا كطريق الحرير طوال الأمسية، في حين كان التفاعل كبيراً ولافتاً حين ظهر عميد الفرقة عمر كركلا راقصاً وظهور الفنانين ايلي شويري وجوزف عازار وهدى حداد، اذ ينتظر الجمهور مع عودة المهرجانات العريقة عودة «المجد» القديم الذي أصبح من الصعب بمكان رؤيته مجددا على مسارحنا.
إبحار
على مدى ساعتين أبحرنا مع رحالة فرقة كركلا عبر الزمن وترافقنا مع كبار نجوم المسرح والغناء اللبناني أمثال نقولا حداد، سيمون عبيد بدور تيمور، غبريال يمين، رفعت طربيه، نبيل كرم، علي الزين، روميو الهاشم، وقد حل ضيفا على العمل هادي خليل لنصل الى بلاد السند والهند وأعماق آسيا الوسطى وأقاصي الشرق في رسالة واضحة تؤكد وحدة الحضارات والانسان والثقافات.
ما بدا جميلا بشكل لافت كانت الالوان والاضاءة، بدءا من الأزياء التي صممها عبد الحليم كركلا مرورا بالخلفية التصويرية التي كانت مبهرة في لقطات كثيرة وعادية في لقطات اخرى.
«طريق الحرير» عمل ضخم شاركت فيه أهم الأسماء الفنيّة، فالسيناريو والأغاني من كلمات طلال حيدر، اما الموسيقى فمن توقيع مرسيل خليفة، توفيق الباشا، زكي ناصيف، شربل روحانا، ايلي شويري.
نذكر انه وبعد العرض الأول لطريق الحرير ختمت السهرة بطريقة استعراضية جميلة برقصات من توقيع كركلا مع عرض لأجمل لقطات من مهرجانات بعلبك على مدار ستين عاما، وقف لها الجمهور مصفقا ومحمّساً بحثاً عن زمن لبناني جميل، عسى أن تترجمه المهرجانات في كل عام وكل دورة بخياراتها الموسيقية والفنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك