إعلام - نيوميديا

عودةٌ حُبلى بالمخاطر !.. د. عقيل سعيد محفوض ..

|| Midline-news || – الوسط ..

أصدر عدد من “المجالس المحلية” في إدلب وريف حماه خارج سيطرة الدولة بياناً طالبوا فيه أردوغان بـ “التدخل الفوري والسريع بتطبيق الوصاية التركية”! (18-8-2018)
لم يبحث أصحاب البيان المذكور عن كلمات أخرى غير “التدخل الفوري” و”السريع” و”تطبيق الوصاية” تتضمن المعنى المراد ولو بشكل أخف، لم يحرصوا على أي تَجَمُّل أو ادعاء. وكان بإمكانهم إيصال رغبتهم إلى أردوغان بوسائل شتى، ولا بد أنهم فعلوا، لكن فضلوا إعلان موقفهم للجميع، موقف جاء بمثابة “توسل جماعي” فائق الوضوح والصراحة، لا مخاتلة هنا ولا مواربة.
باثولوجيا
يتطلب تحليل هذا الموقف تَوَسُّلَ مداخل ومفاهيم علم النفس الاجتماعي والسياسي والتاريخي، وباثولوجيا (علم أمراض) السياسة والاجتماع على حد تعبير برتران بادي، ثمة ظاهرة مرضية مزمنة، وأمور لا يمكن أن يوضحها أو يفسرها كلام أو تحليلٌ في ظاهر الأمور، عابرها أو راهنها.
التاريخ يمكن أن يساعد في الإضاءة على جانبٍ مما يجري، وهذا التاريخ يُظْهِرُ أن أول رايات ارتفعت لتأييد الاحتلال التركي/العثماني لبلاد الشام كانت من شمال سوريا وقريبة من مناطق البيان المشار إليها؛ ذلك في العام 1515-1516، ثم إن آخر راياتٍ موالية للعثمانيين كانت في إدلب نفسها، حتى بعد سنوات من الانهيار العثماني وإعلان الجمهورية التركية من قبل مصطفى كمال أتاتورك، نتحدث عن العام 1925.
كما أنّه مع بدايات الأزمة السورية في العام 2011 أصبح ريف إدلب أول منطقة تجمع ضباط استخبارات وغرف عمليات ومقاتلين من مناطق عديدة حول العالم، تنطلق منها العمليات والخطط والإمدادات إلى مختلف أنحاء سورية؛ ثم تحولت إدلب بعد سنوات من الأزمة وبفعل دينامية عكسية إلى منطقة يجتمع فيها المقاتلون والمرتبطون بهم والهاربون من جبهات القتال من مختلف مناطق سوريا.
الله غالب
لكن ماذا يمكن لـ أردوغان أن يفعل حيال الدعوات الموجهة إليه بـ “الوصاية” أو “الاحتلال”؟ لا بد أنه في موقف حَرِجٍ لا شك، لكن مهلاً، إن منطق السياسة –شرعيةً كانت أم دنيوية! – مُخْتَلِف، لا حرج في أن يمضي الرجل إلى مصالحه، وإلى ما يراه مناسباً لبلده وحزبه وعصبته، حتى لو كان في ذلك ضرر لجزء من مجتمعه، فكيف يكون إذا كان الضرر لبعض مواليه من غير مواطنيه ومن غير حزبه.
هذا ما كانت تركيا العثمانية تفعله طوال عدة قرون، إذ تخلت السلطنة تدريجياً عن جغرافيا واسعة وشعوب كثيرة؛ ذلك حفاظاً على وجودها ومركز الحكم فيها، ولن يكون أردوغان مختلفاً كثيراً عن أسلافه العثمانيين. أما بالنسبة للموالين له في إدلب وشمال سورية، فيمكنه أن يقول لهم: إنه حاول أن يوحدهم ويقدم لهم كل أشكال الدعم والتأييد، ويحشد لهم، لكن “الله غالب” على قولة الأخوة المغاربة، وقدر الله وما شاء فعل.
إذا كنا نتحدث عن ظاهرة معقدة ومُعَنِّدَة، يختلط فيها الدين بالسياسة، والتاريخ بالاجتماع والاقتصاد الخ أمكن لنا توقع أن يتبع أردوغان ورهطه وموالوه حِيَلاً ومَخَارِج فقهية وشرعية كثيرة من مأزق إدلب، وكم من فتاوى خرجت في الأزمة لتبرر للجماعات المسلحة والمرتبطين بها والمرتبطة بهم، كل أهوالهم وإجرامهم وارتهانهم وتبعيتهم، ولن يجد صعوبة في تدبر الأمر.
التمكين
يدرك أردوغان أن قرار استعادة إدلب لا عودة عنه ولا تردد فيه، وما يأمله اليوم هو كسب المزيد من الوقت، ريثما يهيئ المزاج العام داخل تركيا نفسها وبين مواليه في إدلب وشمال سوريا لقبول تخليه عن إمارة إدلب، أو أن يَحْدُثَ أمرٌ ما يباعد بين بوتين وترامب في سوريا، ليتمكن هو من اللعب بينهما مجدداً. وكان حزيناً لأن واشنطن –كما قال-تتخلى عن حليف استراتيجي من أجل “قس”! وأكثر ما يحزنه هو أن واشنطن لم تدرك بعد إلى أي حد يمكنه أن يذهب معها في سياساتها في المنطقة، وتجاه إيران وروسيا وإسرائيل على وجه الخصوص. هل تجهل واشنطن ذلك بالفعل؟!
لكن الأمور لن تقف هنا، إذ إنّ أردوغان لن يتخلى هكذا بإطلاق عن الإمارة، ولا عن أطماعه فيها، وسوف يواصل المداولة والمساومة حولها مع روسيا وإيران، وقد تتوصل فواعل الحدث في إدلب إلى تفاهمات رئيسة تتمثل في:
– استعادة إدلب إلى سلطة الدولة السورية سوف تكون تدريجية، وقد تتخذ وقتاً يطول أو يقصر.
– سيكون لروسيا وإيران دور ضامن من جهة سورية، ومثل ذلك لتركيا تجاه الجماعات المسلحة في إدلب.
– سوف تحاول البنى المجتمعية والتنظيمات المحلية إعادة تعريف نفسها، وربما إعادة هيكلة نظمها وتعبيراتها وشبكاتها.
– يُرجّح أن تحاول تركيا التدخل في إدلب من هذا الباب بالذات. وقد لا تمانع روسيا من منحها –لبعض الوقت-دالة ارتباط وتأثير من باب دعم المجتمع المحلي وتمكين عودة اللاجئين وضمان الاستقرار قرب الحدود!
الإخوان
يمثل “فيلق الشام”، وهو ذراع للإخوان المسلمين، أحد مداخل التأثير التركي في شمال سورية. ومن المعروف أن إخوان سورية بايعوا أردوغان قبل أن يفعل ذلك الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وحتى قبل حركة حماس. ثمة مبايعة عميقة هنا، إذ يتذكر الجميع موقف مراقب عام إخوان سوريا الأسبق رياض الشقفة عندما أنكر عُروبَةَ وسُورِيَّةَ لواء اسكندرون وأهله، وكيف أن إعلام المعارضة كان همّهُ الرئيسُ التشنيعَ على أهل اللواء ولاءهم لبلدهم سورية! ثم كان الإخوان أو التنظيمات المرتبطة بهم أول من دعا للتدخل الخارجي ونزع الشرعية عن النظام السياسي والدولة، وطالب تركيا والغرب بإقامة “مناطق آمنة” الخ.
أي استعادة؟
إنَّ الكيفية التي ستتم فيها استعادة إدلب سوف تؤثر إلى حد كبير في مستقبل المنطقة ومستقبل سورية نفسها، تحديداً أنماط المدارك والتفاعلات السياسية والاجتماعية، والموقف من النظام السياسي والدولة، ولذا يُعَدُّ ضروريّاً أن تكون خطط الاستعادة واضحة، وأن تكون سلطة الدولة تامة وكاملة، وألا تؤدي الضمانات الروسية وغيرها إلى الإخلال بصورة الدولة ومنطقها، وألا تكون أبواب إدلب وشمال سورية مشرعة لديناميات التغلغل والاختراق من قبل تركيا وغيرها، تحت أي عنوان.
إنَّ ما جرى طوال سنوات الأزمة في منطقة إدلب وشمال سورية لا يمكن إغفاله أو التنكر له، وقد أظهرت البنى والفواعل الاجتماعية اتجاهاً كبيراً للانقلاب على العمومي والدولتي والحداثي والتداولي، وتمسكاً كبيراً أيضاً بالطائفي والتكفيري والولاء والاستتباع للخارج والعمالة والزوايا المظلمة الخ.
زرع وحصاد
ثمة أسئلة يصعب إيجاد أجوبة مستقرة عليها، من قبيل: كيف يمكن لمجتمع أو بنى اجتماعية أن تدعو “الناتو” لضرب البلد واحتلاله، ويدعو مسلحين وتكفيريين من كل أنحاء العالم لمقاتلة أهل بلده، ثم يطالب بالجنسية التركية، واستخدام العملة التركية، ويزيد على ذلك بدعوة أردوغان لـ”فرض الوصاية” على أجزاء من بلده، أي حمق تاريخي أو فوق تاريخي، وأين كان وكيف انفجر كل هذا الحقد والكراهية والتوحش؟
إنَّ الأسئلة المذكورة لا تقف عند إدلب، كما لا تبدأ منها، ولا يمكن أن يُعَدّ أهل المنطقة مسؤولين حصريين عما جرى، وقد يؤدي التدقيق إلى استخلاصات وتقديرات لم تكن لتخطر على بال الإمارة ولا تركيا ولا الدولة السورية نفسها.
سوف تعود إدلب إلى “حضن الوطن”، لكن تركيا والجهادية التكفيرية وإخفاق السياسات وتبعات الحرب زرعت فيها زرعها، ولا بد من تدبر السبل المناسبة لاحتواء ذلك، حتى لا تكون عودة حبلى بالمخاطر!

مداد – مركز دمشق للأبحاث والدراسات ..
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك