إعلام - نيوميديا

عبدالله سليمان علي – رسائل الجولاني : الزعامة والتصعيد

موقع الميادين ..

 

مهما يكن الأمر فالظاهر أن الجولاني اختار أن يلعب الدور القديم نفسه وهو دور الوصيّ على “الجهاد” بأدبيّاته وأهدافه وخطابه. وهو ما جعل البَون شاسعاً بين لغة خطابه المُفعمة بمصطلحات “الجهاد” والحرب والقتال والانغماس، ولغة البيانات الرسمية الصادرة عن “الهيئة” والتي درَجَت على استخدام مُصطلحات “الثورة” و”الحرية” وغيرها.

اختار أبو محمّد الجولاني أن يظهر بنفسه صوتاً وصورةً من أجل الإعلان عن تبنّي المسؤولية باسم “هيئة تحرير الشام” عن التفجيرات التي استهدفت فرعين للأمن في مدينة حمص الأسبوع الماضي.

هو بذلك لم يكسر الطقوس الإعلامية التي كان يُحيط نفسه بها وحسب، بل خالف أيضاً العديد من التوقّعات التي ذهبت إلى أن تشكيل “هيئة تحرير الشام” ستكون نهاية عهد الظهور الإعلامي للجولاني بسبب حساسية المرحلة أمنياً وعسكرياً وسياسياً.

لكن مما لا شك فيه أن عملية حمص شكّلت نقلة نوعيّة في أداء جماعة الجولاني بسبب استهدافها نقاطاً حساسة في المنظومة الأمنية السورية، وهي لم تنجح في اختراق مقرّي الأمن العسكري وأمن الدولة في حيي الغوطة والمحطة فحسب، بل أودت بحياة اثنين من كبار الضبّاط، الأمر الذي ساهم في تصنيفها كواحدة من أخطر العمليات. وبالرغم من تذكيرها بعمليات سابقة مثل تفجير مبنى الأركان وتفجير وزارة الداخلية في دمشق العام 2012، إلا أن الفارق هو أن عملية حمص هي الأولى من نوعها التي تتمكّن “جبهة النصرة” من تنفيذها منذ الانفصال الذي حدث بينها وبين تنظيم “داعش” ربيع 2013، وهي بطبيعة الحال الأولى منذ تشكيل “هيئة تحرير الشام” مطلع الشهر الماضي.

هذه السِمات الخاصة والدلالات الرمزية التي حفلت بها عملية حمص، شكّلت لحظة مواتية لم يكن الجولاني ليسمح لها أن تفلت من بين يديه، فسارع إلى امتطائها موجّهاً رسائله في اتجاهات مختلفة.

قد تكون الرسالة الأهم هي إعادة، أو بالأدّق استكمال، رسم صورة “تحرير الشام” حديثة الولادة، وإبراز الدور المحوري الذي يقوم به الجولاني داخلها، وهو ما يلتقي مع كثير من التحليلات التي ذهبت إلى أنه هو المحرّك الحقيقي للهيئة. يأتي ذلك في ظلّ عدم وضوح لما يجري داخل “الهيئة” على صعيد التبايُن بين مواقف بعض قادتها أو على صعيد اختلاف لغة الخطاب في ما بينهم، فهل هو من قبيل توزيع الأدوار بين قيادات الصف الأول، أم أن الاندماج لم ينجح في إلغاء الفوارق التي كانت موجودة بين الفصائل وأهمّها “جبهة النصرة” و”نور الدين الزنكي”؟

مهما يكن الأمر فالظاهر أن الجولاني اختار أن يلعب الدور القديم نفسه وهو دور الوصيّ على “الجهاد” بأدبيّاته وأهدافه وخطابه. وهو ما جعل البَون شاسعاً بين لغة خطابه المُفعمة بمصطلحات “الجهاد” والحرب والقتال والانغماس، ولغة البيانات الرسمية الصادرة عن “الهيئة” والتي درَجَت على استخدام مُصطلحات “الثورة” و”الحرية” وغيرها.

قد يصبح الأمر مفهوماً على ضوء الحملة الشعواء التي يقودها المرجع “الجهادي” الأردني أبو محمّد المقدسي ضدّ “هيئة تحرير الشام” بسبب خطابها الذي وصفه بـ “المتميّع” و”المنحرف”. فلا شك أن الجولاني وهو يحاول استعادة بريق الزعامة أو إعادة تلميعه بعد أن خفت منذ تخليّه عن القيادة العامة لصالح هاشم الشيخ، كان منشغلاً أيضاً بانتقادات المقدسي التي يعرف مدى تأثيرها على تيّار وازن من جماعته بينهم قيادات في الصف الأول بل وفي مجلس الشورى التابع له.

مسعى الجولاني للترقيع مع المقدسي وتيّاره، قابله مسعى مختلف وهو توسيع الهوّة مع  الفصائل المُسلّحة التي تشارك في العملية السياسية، والذي يبدو أنه وصل إلى درجة المفاصلة النهائية تحت عنوان “الساحة لنا وليست لكم”. وهذه المفاصلة ليست جديدة في سلوك الجولاني، لكن ما يُعطيها أهمية مُضاعَفة هذه المرة أنها تأتي في سياق تسريبات عن وجود خطّة مُتكاملة لدى “هيئة تحرير الشام” لإعلان حكومة خاصة بها في إدلب وريف حماة وهو ما نوّهت إليه الناطقة باسم الخارجية الروسية في بيان الأسبوع الماضي.

وفي هذا السياق لا تُخفى رمزية وقوف الجولاني أثناء كلمته المصوّرة وراء منصّة تشبه تلك التي يستخدمها مسؤولو الدول في خطاباتهم الرسمية.

من جهة أخرى، فإن تلميع الزعامة وحسم الاستقطاب واحتكار الساحة تتطلّب من الجولاني التصعيد لأبعد درجة ممكنة ضدّ دمشق وحلفائها، وهو ما بدا جلياً من خلال تهديده بعمليات نوعيّة لاحقة قال إنها ستتم بأساليب مختلفة، منها العمليات الإنتحارية مع إشارة نادرة إلى المواجهة بأساليب تكنولوجية إبداعية كما وصفها.

في المحصّلة، يبدو أن رسالة الجولاني الموحّدة هي التصعيد ضدّ الجميع. ولكن على الرغم من قوة اللحظة التي التقطها الجولاني لتوجيه رسائله، فإن ذلك لم يكن كافياً لإخفاء جوانب الضعف في موقفه، لأن من يقاتل على جبهات مختلفة يُعرّض قواته للتشتُت وقلّة الفاعلية. هذا عدا عن غارات التحالف الدولي التي قلّصت الدائرة الضيّقة المحيطة به بعد أن اصطادت كبار قادته. وكذلك تفكّك الحاضنة الشعبية من حوله وسماع هتافات تهتف بحياة الرئيس بشّار الأسد على مقربة منه في قرية ترملا في ريف إدلب الجنوبي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك