رأي

د . محمد سيد أحمد – الجياع لا يقومون بثورات !!

|| Midline-news || – الوسط  ..

لقد كثر فى الآونة الأخيرة الحديث عن ما يمكن أن نطلق عليه ثورة الجياع , وقد أكون من بين من استخدم المفهوم غير المنضبط مرات ومرات فى مقالات سابقة محذرا السلطة السياسية الحاكمة من أن استمرار سياسات الافقار للغالبية العظمى من المصريين سوف تدفعهم الى موجة جديدة من الثورة ستكون هذه المرة ثورة جياع تقتلع معها الأخضر واليابس , لكن من الواضح أن السلطة السياسية الحاكمة لا تعير أى اهتمام لهذه التحذيرات المخلصة لوجه الله والوطن لأنها اعتادت على أن انشغال الفقراء بلقمة عيشهم تجعلهم أكثر بعدا عن التفكير فى الثورة .

وبالطبع هناك من يفكر ويخطط للقائمين على السلطة ويمنحهم النصائح التى يجب أن تسير سياساتهم وفقا لها , ومن بين هؤلاء ما نطلق عليهم مثقفى السلطة , الذين ينصحون صانع القرار بأن يسير على نفس سياسات الافقار لأن الجياع المشغولين بلقمة عيشهم لا يثورون , إنما يثور نيابة عنهم أبناء الطبقة الوسطى والمثقفون المؤمنون بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية , لذلك عليه أن يضيق الخناق على هذه الطبقة وأبنائها ليدفع الغالبية منهم الى السقوط من فوق السلم الاجتماعى واللحاق بالطبقات الفقيرة الجائعة فينشغلوا بفقرهم عن التفكير فى الثورة , ويحول مثقفيها الى تابعين له مستفيدين ببعض منحه , ومن يرفض يتم التنكيل به وتشويهه ووصمه اجتماعيا ليبتعد عن التفكير فى الثورة , وإن لم يتعظ ويتراجع قد يكون مصيره التنكيل والاعتقال والسجن .

وأى نظرة سريعة ومتفحصة لتاريخ الثورات فى العالم ستثبت صحة طرحهم فالجياع لم يقوموا يوما بثورة فأصحاب البطون الخاوية لا يفكرون إلا فى الطريقة التى يمكن أن يملئوا بها هذه البطون , أما من يفكر فى التغيير والإصلاح والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية فهم أصحاب البطون الممتلئة , لذلك لا عجب أن تكون الطليعة الثورية فى تاريخ الثورات فى العالم هى من الطبقات والفئات والشرائح المستورة وليست الجائعة , إذن هناك مبررات واقعية ومعطيات تاريخية تجعل القائمين على السلطة السياسية يقتنعون بأن الجياع لا يقومون بثورات , وأن أبناء الطبقة الوسطى الأكثر شبعا وتعليما وثقافة هم من يقومون بالثورات , لذلك يجب على السلطة أن تقوم بإفقارهم وإلحاقهم بطوابير الجياع حتى تمنع أى تفكير فى القيام بالثورة .

وإذا كان هذا الطرح به ما يجعل القائمين على السلطة يستمرون فى سياسات الإفقار للغالبية العظمى من المصريين مطمئنين أن الجياع لم ولن يقوموا بثورات وأن أبناء الطبقة الوسطى منقسمين على أنفسهم ولا يمتلكون الوعى الطبقى الذى يمكنهم من القيام بالفعل الثورى فى اللحظة الراهنة , والدليل على ذلك فشلهم مرتين متتاليتين الأولى فى 25 يناير حيث قاموا بالثورة ثم تركوها لفصيل إرهابى لا يؤمن بالثورة أو التغيير الجذرى , والثانية فى 30 يونيو حينما قاموا بالثورة ثم تركوها للفاسدين من أنصار النظام القديم الذى قامت ثورة يناير من أجل الإطاحة بهم فعادوا ليحكموا من جديد ويستمرون فى سياسات الإفقار والتجويع بل والانتقام ممن قاموا بالثورة ضدهم . 

هنا يجب أن تعى السلطة السياسية الحاكمة أنها وإن كانت قد تفهمت جيدا كيف يتم اجهاض الثورات والالتفاف عليها وإفشالها ومنع الطليعة الثورية من القيام بها , إلا أنها لم تعي ماذا يمكن أن يفعل الجياع , فالجياع فعلا لا يقومون بثورات لأن الثورة تحتاج الى عقل مفكر ومدبر ومخطط وطليعة ثورية قادرة على قيادة الجماهير ونشر وعى طبقي حقيقي يمكنهم من القيام بالثورة ثم الاستيلاء على الحكم , وهذه الطليعة الثورية دائما ما تكون من أصحاب البطون المشبعة حتى يمكنها أن تعمل عقلها , فالتراث الشعبي به العديد من الأمثال التى تؤكد على ذلك ولعل المثل الأكثر شيوعا وانتشارا هو ” إذا جاعت البطون غابت العقول ” وهنا مكمن الخطر .

فالجياع يفتقدون للعقل وبالتالي النتيجة الطبيعية وراء غياب العقل هو الآتيان بأفعال مجنونة وغير متوقعة وغالبا ما تكون فوضوية , ولعل انتفاضة الخبز فى 1977 خير شاهد وخير دليل فهى هبة جياع عفوية غير عاقلة , حتى ولو حاولت بعض القوى العاقلة ركوبها وضبط حركتها إلا أنها فى النهاية اشاعت الفوضى وكادت تدمر المجتمع , لذلك لابد أن يعي القائمين على السلطة خطورة الجياع لأنهم قوى غير عاقلة على عكس من يقومون بالثورات , فالثورة هى عملية تغيير واع لا يفضى للتدمير على عكس حركة الجياع فهى غير العاقلة تفضى الى الفوضى والتدمير وتأخذ فى طريقها الأخضر واليابس , لذلك لابد من الإسراع فى احتوائها عبر سياسات اقتصادية واجتماعية تحقق للغالبية العظمى من الشعب المصري العيش والحرية والعدالة الاجتماعية .

اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الآراء المذكورة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي أصحابها حصراً
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك