رأي

د . محمد سيد أحمد – إعادة إنتاج الجهل !!

|| Midline-news || – الوسط  ..

 

أعلم منذ البداية أن الموضوع به محاذير كثيرة, بل وبه خطورة على شخص يعمل فى نفس المؤسسة الأكاديمية وأحد أعضاء الجماعة العلمية التى نصفها بأنها تعيد إنتاج الجهل, لأن فتح الملف سوف ينكأ جراح ويكشف عورات مؤسسات ترسم لنفسها صورة ذهنية تقترب من القداسة, فدائما ما نسمع مصطلح محراب العلم ونسمع مصطلح الحرم الجامعى الذى يعنى أنه مكان مقدس مثل الحرم المكى والحرم النبوى, ومثلما تحاول المؤسسات الدينية أن تضفي على نفسها قداسة مصطنعة تستمدها من الدين ذاته باعتبار القائمين على هذه المؤسسات هم ظل الله فى الأرض والمتحدثين باسم العناية الإلهية وبالتالى يحاولون إيهامنا بأنهم مقدسون كما الرب وكما نصوصه وكلماته التى أنزلها على رسله.

وأى محاولة لنقد هؤلاء المشايخ المسيطرون على المؤسسات الدينية خاصة الرسمية منها تضع صاحبها فى خانة الكفر أو على أقل تقدير فى خانة النبذ والاضطهاد والوصف بالجهل, فإن أى محاولة للاقتراب من المؤسسة العلمية الجامعية لنقدها سوف تجد من يخرج ليشهر عليك سيفه ويحاربك ويحاول النيل منك بل قد تتم معاقبتك بطرق شتى قد تصل لقطع عيشك على حد تعبير التراث الشعبي المصرى, وعندما حاولت الحديث مع بعض الزملاء الذين ينتمون الى الجماعة العلمية عن أنني أنوى فتح هذا الملف الخطير لعل ما أكتبه يصل الى صانع القرار فيتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان, فوجدت تحذيرات شديدة من بعضهم خوفا من عقاب قد يطولنى من وراء فتح الملف وكشف المستور, فى حين وجدت من يشجعنى على فتح الملف ويلح خاصة وأنهم يعلمون معاركى الطويلة مع الفساد داخل المؤسسة الأكاديمية والجماعة العلمية.

وقبل الخوض فى موضوع إعادة إنتاج الجهل على مستوى التعليم الجامعى وما بعد الجامعى لابد من التأكيد على أن التعليم ما قبل الجامعى قد تحول الى ميكنة لإنتاج الجهل والتخلف, فالعملية التعليمية منذ البدء تعتمد على أساليب الحفظ والتلقين دون أى محاولة للفهم و النقد وإعمال العقل, بل أن الطالب الذى يحاول أن يستخدم هذه الملكات مصيره الاضطهاد والتنكيل والحصول على درجات ضعيفة لا تؤهله لمواصلة مراحل التعليم التالية. وبالطبع هناك العديد من المظاهر السلبية التى يمكن رصدها لإنتاج الجهل فى مرحلة التعليم قبل الجامعى, لكننى سأستشهد هنا بمظهر واحد فقط وهو سيادة الدروس الخصوصية على حساب دور المدرسة, لدرجة أننا نلام عندما لا نعطى أبنائنا دروسا خصوصية, فى حين كان جيلنا والأجيال السابقة عليه تعتبر من يحصل على درس خصوصى موصوما اجتماعيا, وأصبحت مهمة المدرس الخصوصى هى تحفيظ وتلقين وحشو رأس الطالب بالمعلومات اللازمة لحصوله على درجات عالية لدخول الجامعة.

وينتقل الطالب الى الجامعة وقد اعتاد على هذه الطريقة فيجد الغالبية العظمى من اساتذته يسيرون على نفس النهج, وأى محاولة من قبل القليل من الاساتذة لتغيير تلك المنظومة ومحاولة إعادة تشكيل عقل الطالب لكى يستخدم للفهم والنقد والتفكير والابتكار تلقى عدم استجابة من الطالب من ناحية ومن القائمين على إدارة المؤسسة من ناحية أخرى, فدائما ما يكون الأستاذ مطالبا بنتيجة مقبولة وإذا جاءت نسبة النجاح منخفضة يتم الضغط على الأستاذ لرفع النتيجة وإذا رفض تتدخل الإدارة برفعها ضاربة برأى الأستاذ عرض الحائط عن طريق ثغرة قانونية تسمى بلجنة الممتحنين, بذلك تترسخ آلية الحفظ والتلقين ويفشل كل من يحاول أن يعمل ضدها لإنتاج علم حقيقي بدلا من الجهل, والنتيجة المتحصلة من هذه العملية هى خريج تمكن من حفظ الكتب دون فهم أو نقد أو إعمال للعقل وملكاته المختلفة ويتصدر الأكثر قدرة على الحفظ قائمة الأوائل ويعين معيدا بالجامعة ويتدرج الى أن يصل لدرجة أستاذ.

وبالطبع كارثة الكوارث تبدأ عندما يكون هذا الأستاذ الجاهل هو المسئول عن إعداد طلاب الدراسات العليا الذين سيحصلون على درجات الماجستير والدكتوراة, وهنا حدث ولا حرج عن عشرات ومئات وآلاف الرسائل العلمية فى كافة التخصصات التى حصل عليها الطلاب من الجامعات المصرية تحت إشراف أساتذة لا يعملون عقولهم ولم يتعودوا على تشغيل عقولهم بعيدا عن عمليتى الحفظ والتلقين, وإذا كان هناك أستاذ يرغب فى تعليم طلابه أساليب مختلفة قائمة على الفهم والنقد وإعمال العقل سيفر منه الطلاب وإذا شارك فى مناقشة رسالة علمية ورفض منح الطالب الدرجة لعدم استحقاقه يجد زملائه المشرفين يضغطون عليه ويقولون له أن الدرجة تمنح لنا كإشراف وليس للطالب, وإذا رفض يتم استبعاده ولا يأتون به لمناقشة طلابهم مرة أخري.

وبالطبع هؤلاء الأساتذة هم المسيطرون على اللجان العلمية للترقيات وبالطبع يتم الانتقام من كل ما هو متميز وكل من يثبت أنه قد حاول استخدام عقله بعيدا عن الحفظ والتلقين, هذا الى جانب تدخل العلاقات الشخصية والمحسوبية والهدايا والرشوة أحيانا من أجل الحصول على الدرجات العلمية, هذا الى جانب انتشار السرقات العلمية التى لا تعد ولا تحصى وفى كافة التخصصات, والغريب حقا داخل المؤسسة الأكاديمية أن أخر ما تهتم به الجماعة العلمية هو العلم ذاته, فغالبية الحوارات التى تدور داخل أسوار الجامعة بين أعضاء هيئة التدريس أبعد ما تكون عن العلم, لذلك فإن ما يتم داخل هذه المنظومة هو إعادة إنتاج للجهل, وإذا كانت هناك نوايا حقيقية لإعادة بناء المجتمع وتحقيق نهضة فعلية فعلينا أن نقبل النقد الذاتى ونبدأ بتصحيح مسار هذه المنظومة برمتها سواء فى مرحلة التعليم قبل الجامعى أو الجامعى أو ما بعد الجامعى, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الآراء المذكورة في المقالات لا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع وإنما تعبّر عن رأي أصحابها حصراً
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك