فضاءات

حبِّي علينا .. بس حبِّي متلنا .. طارق عدوان ..

|| Midline-news || الوسط ..

ليس من الواضح حتى الآن، إن كان من سوء الحظ، أم من حسنه اننا انتمينا إلى جيل بدلة الفتوة في المدارس و تحية العلم الصباحية، إلى الجيل الذي ينحني خجلا أمام مدرسيه في الابتدائية حتى لو كان يمشي الآن وقد أخذ الشيب يحدد بدايات دروبه على الشعر و العمر الكثيف ــ شعورياً على الأقل ــ إلى جيلٍ تشكل وعيه وذاكرته الشعرية و الشكلانية على “ريمي” و”الليدي أوسكار” و “زهرة الجبل”..

الجيل الذي شربته سورية على مهل خلال الحرب مابين شهيد ومهاجر، لتحسم له فجوة روحه ما بين “يا شام عاد الصيف”.. و”عسكوري”..
الجيل الذي ُقطِفَ حبقاً ما بين حربين ..حربٌ فيه و حربٌ عليه..
الثقيل عاطفياً..والذي شق الطوق عن قلبه نحو الموت أو نحو الترحال..
كي تفرغ البلاد إلا من المتقاتلين ومتسلقي المنابر على اختلاف اختصاصاتهم، وبعض الحزانى والقلة القليلة من المجانين الحقيقيين الجميلين والقلة الأقل من أصحاب المشاريع الحقيقية..

أما من حضن ويحضن القبر جسده، فها هي السماء ما فتأت تتخذ وجهه وروحه نوراً بديلاً عن نور الكهرباء المصابة بالحياء المفاجىء والبطيء..وهو لا (يحاولُ مُلكاً ليموتَ ..فيُعذرا) بل يحاولُ وطناً.. نعم يموت يا (سادة)ــ كلمة “ثائر العجلاني” على عنفوانه وروحه الرحمة و النور ــ يموت تاركاً وراءه جيشاً من الأحلام والصبايا والضحكات، والكؤوس التي لم تشرب بعد .. والمواويل التي لم ترتجل بعد..جيشاً من الحيوات المشرئبة كروحه ..كوطنه ــ يموت ليلفه علم بلاده في التابوت، وتلفه الأرض مستنفرةً عشبها على خجل من غرته و طلعة جبينه الشريف..من زنده الذي طالما خزن فيها كده وعرقه، وأعمله فيها ضجراً من فقره ــ طوبى لذياك الضجر الترف ــ ومن الدنيا التي لم تكُ لتأتِ على هوى آماله..وهونِ دمعته..ونبل قُلته..قِبلته…إنه الآن غير موجود يا سادة..غير موجود.
ذهب الشباب إلى الموت مصحوبين بمقام البياتي السوري المضغة و الولادة، يوثِّب روحهم ليعيدوا إنتاجه بأساً وبأساء على الزناد، وهاهو ما يزال حائماً فوق قبورهم، وعلى أجفان أمهاتهم وشوارب آباءهم وتنهيدات محبيهم..

ذهب الشباب إلى الموت من أجل وطنٍ سليمٍ معافى ليس من الإرهاب فقط، بل من أجل وطنٍ نظيف القصيدِ والأغنية، من أجل وطنٍ لا يفوق فيه عدد المساجد عددَ دور السينما بمئات المرات و عدد أفلام السينما بآلاف المرات..من أجل وطنٍ يمتلك أكاديمية للسينما واحدة على الأقل ..واحدة !!
من أجل وطنٍ لا تصنع فيه شخصيات السيلفي و السيليكون على حساب الدماء و القهر، فيتصدروا لمشهديته و يصبحوا رموزه مع مر الزمان، حيث التاريخ الأبله سيكتب بلغةٍ مسطحة كلغة أحياءه في هذه الحقبة منه وسيكون لهم حصة وباع على حساب الشهداء الأبطال ومن تبقى من موهوبين ومبدعين في كافة المجالات على سطح هذه الجغرافيا العتيقة الحزينة..
من أجل وطنٍ لايشهد على قتل وشنق علماء و حماة الآثار.. من أجل وطنٍ تبقى فيه من الحب ما يستحق الدفاع عن الحياة..الحياة بلا برد و جوع و أرتال قهر وغيرها من متتاليات (المستحيل).
من أجل وطنٍ إن ماتت فيه فيروز ــ والتي لم تنجُ من عصاب الموتورين مدخري السم في العروق كواحدة من أهم محاولات تكسير ما بقي من قيم على أرض هذا الوطن ــ يجب أن يكون في رحمه مئات الفيروزات ليكملوا تلوين المدى سورياً بحناجرهن..وإن مات فيه نوري اسكندر ــ الحديث هنا عن الموت الفيزيولوجي ..فالصوت و الرنين هما البدء الذي لا ينتهي, وللمذكوران العمر الطويل و المديد لضرورة حفظ ماء الهوية و الوطن ــ يجب أن يخرج من ترابه مئات ال(نوري اسكندر)..ليعيدوا ولادة الصوت السوري العائد إلى ما قبل الدين، حينما كانت البشرية ما تزال تتكلم مع القرود..وإنهم لموجودون و إنما مكبلون من احتجاب الحب وضيق العيش و سرقة الفرص وغياب السوق الإنتاجية المعافاة إبداعياً و أخلاقياً ومادياً.. وها قد جاءت الحرب لتلتهم أرواحهم الرهيفة دون رحمة.
من أجل جيل قادم يجب أن يعرف قدمس و أوروبا وجوليا دومنا وأبولودور الدمشقي و…و…قبل أن يعرف أصول التبول و الغائط في الإسلام ودعاء الخروج من المنزل و (الولوج)في المنزل…أن يدرس ميثيولوجية سوريَّة بدلاً من التربية الدينية ــ أو معها إن كان لامفرــ التي لا ولن تحتوي في مناهجها على أن كل أنواع و أصناف و تلاوين الآلهة يجب أن تقر على أن انقراض هذا الجيل لا يجب أن يذهب سدىً إن كان مفهوم العدل ما زال قائماً ضمن البنية المعنوية لهذا الكوكب.

من أجل جيل قادم يراهن عليه..وعلى قشعريرة بدنه لدى سماع أغنية وطنية حقيقية أنتجها هو.. تلك القشعريرة التي تبنى و لا تأتي من السماء و المورثات فقط..تلك القشعريرة ..الوطن..

وعلى هذا و بالعودة إلى الجيل الملتهم من قبل الحرب..

يأيتها البلاد..

يا أيتها المعدة القديمة…التي لا تشبع و لا تتسع..
يا أيتها المرأة التي (تركت الأربعين) وقد داست على (المشمش كله)..حتى احترب و اخترب و اغترب..

يا حمراء …يا حمراء..

حبي علينا ..بس حبي متلنا..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
أهم الأخبار ..
بعد 3 سنوات من اختطافه.. جائزة فولتير تذهب لكاتب عراقي موسكو: الرئيسان الروسي والصيني قررا تحديد الخطوط الاستراتيجية لتعزيز التعاون الجمهوري رون ديسانتيس يعلن ترشحه للرئاسة الأميركية للعام 2024 الأربعاء البيت الأبيض يستبعد اللجوء إلى الدستور لتجاوز أزمة سقف الدين قصف متفرق مع تراجع حدة المعارك في السودان بعد سريان الهدنة محكمة تونسية تسقط دعوى ضدّ طالبين انتقدا الشرطة في أغنية ساخرة موسكو تعترض طائرتين حربيتين أميركيتين فوق البلطيق قرار فرنسي مطلع تموز بشأن قانونية حجز أملاك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بطولة إسبانيا.. ريال سوسييداد يقترب من العودة إلى دوري الأبطال بعد 10 سنوات نحو مئة نائب أوروبي ومشرع أميركي يدعون لسحب تعيين رئيس كوب28 بولندا تشرع في تدريب الطيارين الأوكرانيين على مقاتلات إف-16 ألمانيا تصدر مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الانتخابات الرئاسية التركية.. سنان أوغان يعلن تأييد أردوغان في الدورة الثانية أوكرانيا: زيلينسكي يؤكد خسارة باخموت ويقول "لم يتبق شيء" الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن من اليابان عن حزمة أسلحة أميركية جديدة وذخائر إلى كييف طرفا الصراع في السودان يتفقان على هدنة لأسبوع قابلة للتمديد قائد فاغنر يعلن السيطرة على باخموت وأوكرانيا تؤكد استمرار المعارك اختتام أعمال القمة العربية باعتماد بيان جدة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الجامعة العربية لتمارس دورها التاريخي في مختلف القضايا العربية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله: نرحب بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي معتبرين ذلك خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العربي المشترك، ونثمن الجهود العربية التي بذلت بهذا الخصوص الرئيس الأسد: أشكر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الدور الكبير الذي قامت به السعودية وجهودها المكثفة التي بذلتها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولنجاح هذه القمة الرئيس الأسد: أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين رحبوا بوجودنا في القمة وعودة سورية إلى الجامعة العربية الرئيس الأسد: العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً ضد الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند الخطر العثماني ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور الجامعة العربية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها الرئيس الأسد: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب الرئيس الأسد: من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل السيد الرئيس بشار الأسد يلقي كلمة سورية في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة الرئيس سعيد: نحمد الله على عودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية بعد أن تم إحباط المؤامرات التي تهدف إلى تقسيمها وتفتيتها الرئيس التونسي قيس سعيد: أشقاؤنا في فلسطين يقدمون كل يوم جحافل الشهداء والجرحى للتحرر من نير الاحتلال الصهيوني البغيض، فضلاً عن آلاف اللاجئين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وآن للإنسانية جمعاء أن تضع حداً لهذه المظلمة الرئيس الغزواني: أشيد بعودة سورية الشقيقة إلى الحضن العربي آملاً لها أن تستعيد دورها المحوري والتاريخي في تعزيز العمل العربي المشترك، كما أرحب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: ما يشهده العالم من أزمات ومتغيرات يؤكد الحاجة الماسة إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات وتقوية العمل العربي المشترك