جريمة الخاشقجي تـنـبُـش خزَّان العنف المادي والرمزي في تراثنا .. بقلم نجيب البكوشي ..
|| Midline-news || – الوسط ..
الداعية الإسلامي السعودي وإمام وخطيب مسجد قباء في المدينة ، صالح المغامسي ، يقارب بين جريمة إغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية وتقطيعه بمنشار ، وبين قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة وطهي قدر الطعام على رأسه ، والدخول بزوجته ذات الحسن والجمال أم تميم .
يذكر ابن كثير في البداية والنهاية ، الجزء السادس ، فصل ، في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي ما يلي : ” فضُربت عنقه ، وأُمر برأسه فجُعل مع حجرين وطُبخ على الثلاثة قدرًا ، فأكل منها خالد تلك الليلة ، ليُرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم . ويقال : إن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج لحم القدر ، ولم تفرغ الشعر لكثرته ” .
الداعية السعودي يقارب بين موقف الخليفة أبي بكر الصديق من خالد بن الوليد ، وموقف الملك سلمان وابنه ولي العهد من فريق الجريمة ، الذي سمّاه هوّ ” الفريق المفاوض ” ، ويقول أن هذا الفريق صاحب الصلاحية الدنيا ، تجاوز أوامر صاحب الصلاحية العليا ، عندما قتل جمال خاشقجي ، كما تجاوز خالد بن الوليد أوامر الخليفة أبي بكر عندما قتل مالك بن نويرة ، ويقول أنّه كما دفع أبي بكر الديّة لأهل ابن نويرة ، سارعا ، الملك سلمان وولي عهده ، إلى الإعتراف للعالم بأسره بجريمة قتل خاشقجي !!.
طبعا هذا الداعية كاذب ودجّال ، لأن الملك وولي عهده أكّدا في البداية انّ جمال خاشقجي غادر مبنى القنصلية بعد دقائق فقط من دخولها ، ولم يعترفا بالجريمة إلاّ بعد الضغوط الدولية التي سُلطت عليهما ، وثانيا ، يقوم بليّ عنق التاريخ ويقول نصف الحقيقة فيما يتعلّق بقصّة مالك بن نويرة ، فلا يقول ان موقف عمر بن الخطّاب تجاه خالد بن الوليد كان على نقيض موقف أبي بكر الصديق الذي إكتفى بدفع الدية وأبقى على خالد بن الوليد قائداً للجيش ، وموقف عمر كان بناءاً على شهادة صحابي آخر كان مع خالد بن الوليد على جبهة القتال ، وهو أبو قتادة ، والذي أكّد انّ مالك بن نويرة لم يكن مرتدّاً كما ادّعى خالد بن الوليد .
يقول ابن كثير في نفس المصدر المذكور أعلاه : ” لم يزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحرض الصديق على عزل خالد عن الإمرة ويقول : إن في سيفه لرهقا ، حتى بعث الصديق إلى خالد بن الوليد فقدم عليه المدينة وقد لبس درعه التي من حديد ، وقد صدئ من كثرة الدماء ، وغرز في عمامته النشاب المضمخ بالدماء ، فلما دخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الأسهم من عمامة خالد فحطمها ، وقال : أرياءٌ قتلت امرأ مسلما ، ثم نزوت على امرأته ، والله لارجمنك بالجنادل ، وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي الصديق فيه كرأي عمر ، حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه قتل مالك بن نويرة “.
عمر بن الخطّاب سوف يعزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيش عندما يصبح خليفة للمسلمين بعد أبي بكر الصدّيق .
جريمة إغتيال جمال خاشقجي تؤكّد لنا مرّة أخرى أننا أمام مأزق حضاري كبير جداً نتيجة عدم تعاملنا العقلاني مع تراثنا وتاريخنا .
الصحفي والكاتب جمال خاشقجي ذاته وقع في المحظور الأخلاقي والإنساني عندما برَّرَ في تدوينة له قطع رؤوس الجنود السوريين من قبل الدواعش الإرهابيين .
كتب التراث تحمل في صفحاتها فصول دموية بشعة من تاريخنا ، تمثّل خزّانا للعنف المادي والرمزي ، لا نجرؤ على تناولها لأن الإكليروس الديني قام بأسطرة شخوصها وإخراجهم من التاريخ .
*كاتب وباحث تونسي – باريس